أن النزاع والبغضاء بين المتخاصمين تارة يكون من كلا الطرفين، بأن يكون كل منهما حربا للآخر وقاصدا لايقاع الضرر به، وأخرى يكون الحقد والنفاق من طرف واحد كأن وشى إليه نمام على أخيه كاذبا فحقد عليه، وكلا القسمين مشمولان لاطلاق ما دل على جواز الكذب في مورد الاصلاح.
ويمكن الاستدلال على جواز الكذب للاصلاح بقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، أي أصلحوا بين المؤمنين إذا تخاصموا وتقاتلوا، واتقوا الله في ترك العدل والاصلاح لعلكم ترحمون (1)، فإن اطلاق الآية يشمل الاصلاح بالكذب أيضا.
وحينئذ فتكون الآية معارضة لعموم ما دل على حرمة الكذب بالعموم من وجه، وبعد تساقطهما في مادة الاجتماع، أعني الكذب للاصلاح، يرجع إلى البراءة أو إلى عموم: المصلح ليس بكذاب، فإنه ينفي الكذب عن المصالح على سبيل الحكومة.
ولا فرق في جواز الكذب للاصلاح بين أن يكون المصلح أحد المتخاصمين أو غيرهما.
ويدل على تأكد الحكم في الأول بعض الأحاديث الواردة في حرمة هجران المؤمن فوق ثلاثة أيام، كقوله (عليه السلام) في رواية حمران: ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلا برأت منهما في الثالثة، قيل: هذا حال الظالم فما بال المظلوم، فقال: ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول: