ونأخذ من دلالة الشرع ما نضيفه إلى هذا الإله من الأسماء والأحكام فنكون مأمورين في العلم به سبحانه شرعا وعقلا وهو الصحيح فإن الشرع لا يثبت إلا بالعقل ولو لم يكن كذلك لقال كل أحد في الحق ما شاء مما تحيله العقول وما لا تحيله وهم قد فعلوا ذلك مع الايمان بالشرع ودخلوا بالتأويل في أمور لا حاجة لهم بها ولو استغنوا عنها لم يطالبهم العقل بذلك ولا سألهم الشرع عن ترك ذلك بل يسألهم الشرع عن فعل ذلك وهم فيه على خطر ولا حجة على ساكت إلا إذا وجب عليه الكلام فيما سكت فيه وقد اندرج في هذا الكلام جميع ما ذكرناه في القصيدة التي في أول الباب فإنه جميع ما عدد فيها من الأمور تطلب حقائق إلهية تستند إليها وتنافر حقائق إلهية فمما يتضمن هذا المنزل تجلى الحجاب بين كشفين وتجلى الكشف بين حجابين وما في المنازل منزل يتضمن هذا الضرب من التجلي إلا هذا المنزل فإن التجلي المنفرد في المظهر من غير بينية يعطي ما لا يعطيه في البينية والتجلي المفرد الذاتي في غير المظهر يعطي ما لا يعطيه في البينية وهذا التجلي الواقع في البينية يعطي الحصر بين أمرين وكل محصور محدود بمن حصره وهذا أعجب المعارف في هذا الطريق أن يكون التجلي الذاتي الذي له الإطلاق محصورا فهو كما يقال عن القاعد في حال قعوده إنه قائم فظاهر الأمر أنه لا يتصور فسبحان من تنزه عن الأضداد وقبلتها أوصافه قال صلى الله عليه وسلم ترون ربكم كما ترون الشمس بالظهيرة فإن كان أراد النهار بهذا اللفظ فقد عم التجليات الذاتية وإن اختلفت في حكم التجلي كاختلاف صفة تنزيهه باسمه الغني عن الفقر وصفة تنزيهه بالأحدية عن الشريك بقوله ولم يكن له شريك في الملك كذلك التجليات الذاتية البصرية مثل هذه التجليات الذاتية العقلية وإن كان أراد بالظهيرة وقتا معينا في النهار وهو الأظهر في المعنى المحقق واللفظ وعليه أولى أن يحمل هذا القول فإن النهار كله تجل ذاتي لأن الشمس فيه ظاهرة بذاتها فإن النهار جلاها للأبصار وإن كان النهار معلولا عنها فظهرت بذاتها من أول شروقها إلى حال غروبها ولها تجل وحكم في كل دقيقة يعرفها من يعرفها ويجهلها من يجهلها والذي يعرف الكل من ذلك ما امتد زمانه فيفرقون ما بين حكمها في طلوعها وشروقها وحكمها في إشراقها وحكمها في ضحاها وحكمها في زوالها وهو أول غشيها وحكمها في عصرها وحكمها في قبض ضوئها وقلة سلطانه عما كان عليه فيما يقابله من أول النهار وصدره وحكمها عند سقوطها ولكل تجل وإن كان ذاتيا حكم ليس للآخر فما عدا الطرفين فهو تجل ذاتي بين تجليين ذاتيين إلا الطرفين فهو تجل ذاتي عقيب تجل حجابي والطرف الآخر تجل ذاتي يعقبه تجل حجابي فهو تجل ذاتي بين تجل ذاتي وحجابي وقد رمينا بك على الطريق فافهم من حالات تغير الأحكام الشمسية في هذه الآنات ووقوع التشبيه منها في آن معين وهو الظهيرة وحالة الصحو وعدم السحاب بينها وبين الراني وخذ أنت في الآنات الباقية آثار التجلي الذاتي فاعلم إن النور المنبسط على الأرض الذي هو من شعاع الشمس الساري في الهواء ليس له حقيقة وجودية إلا بنور البصر المدرك لذلك فإذا اجتمعت العينان عين الشمس وعين البصر استنارت المبصرات وقيل قد انبسط الشمس عليها ولذلك يزول ذلك الإشراق بوجود السحاب الحائل لأن العين فارقت هذه العين الأخرى بوجود السحاب وهي مسألة في غاية الغموض لأني أقول لو أن الشمس في جو السماء وما في العالم عين تبصر من حيوان ما كان لها شعاع منبسط في الأرض أصلا فإن نور كل مخلوق مقصور على ذاته لا يستنير به غيره فوجود أبصارنا ووجود الشمس معا أظهر النور المنبسط ألا ترى الألوان تنقلب في الجسم الواحد المتلون بالخضرة مثلا أو الحمرة إذا اختلفت منك كيفيات النظر إليه من الاستقامات والانحرافات كيف يعطيك ألوانا مختلفة محسوسة تدركها ببصرك لا وجود لها في الجسم المنظور إليه في الشمس ولا تقدر تنكر ذلك ولا سيما إذا كان الجسم المنظور إليه في الشمس فقد أدركت ما لا وجود له حقيقة بل نسبة كذلك النور المنبسط على الأرض وكتقلب الحرباء في لون ما تكون عليه من الأجسام على التدريج شيئا بعد شئ ما هي مثل المرآة تقبل الصورة بسرعة ولا هي جسم صقيل وإدراك تقلبها في الألوان محسوس مع علمك بأن تلك الألوان لا وجود لها في ذلك الجسم الذي أنت ناظر إليه ولا في أعيانها في علمك كذلك العالم مدرك لله في حال عدمه فهو معدوم العين مدرك لله يراه فيوجده لنفوذ الاقتدار الإلهي فيه ففيض الوجود العيني إنما وقع على تلك المرئيات لله في حال عدمها فمن نظر إلى وجود تعلق رؤية العالم في
(٦٦٦)