وقد أبنت لك ما فيه كفاية فإنه تلويح يغني عن التصريح وأما أعمال السعادة فعلاماتها أن يستعمل الإنسان في الحضور مع الله في جميع حركاته وممكناته وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى الله تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود منها وأما الارتباط المذموم منها فإن نسبه إلى الله فقد أساء الأدب وجهل علم التكليف وبمن تعلق ومن المكلف الذي قيل له افعل إذ لو لم يكن للمكلف نسبة إلى الفعل بوجه ما لما قيل له افعل وكانت الشريعة كلها عبثا وهي حق في نفسها فلا بد أن يكون للعبد نسبة صحيحة إلى الفعل من تلك النسبة قيل له افعل وليس متعلقها الإرادة كالقائلين بالكسب وإنما هو سبب اقتداري لطيف مدرج في الاقتدار الإلهي الذي يعطيه الذليل كاندراج نور الكواكب في نور الشمس فتعلم بالدليل أن للكواكب نورا منبسطا على الأرض لكن ما ندركه حسا لسلطان نور الشمس كما يعطي الحس في أفعال العباد إن الفعل لهم حسا وشرعا وأن الاقتدار الإلهي مندرج فيه يدركه العقل ولا يدركه الحس كاندراج نور الشمس في نور الكواكب فإن نور الكواكب هو عين نور الشمس والكواكب لها مجلي فالنور كله الشمس والحس يجعل النور للكواكب فيقول قد اندرج نور الكواكب في نور الشمس وعلى الحقيقة ما ثم إلا نور الشمس فاندرج نوره في نفسه إذ لم يكن ثم نور غيره والمرائي وإن كان لها أثر فليس ذلك من نورها وإنما النور يكون له أثر من كونه بلا واسطة في الكون ويكون له أثر آخر في مرآة تجليه بحكم يخالف حكمه من غير تلك الواسطة فنور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما لا يعطيه من الحكم بغير البدر لا شك في ذلك كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شئ وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلي وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه كذلك العبد ليس فيه من خالقه شئ ولا حل فيه وإنما هو مجلي له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حسا والحال الحال وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر بهذه المثابة مع الخفاء وإنه لا يعلم ذلك كل أحد فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسألة مع الخلق أخفى وأخفى فمن وقف على هذا العلم فهو من أعلى علامات السعادة وفقد مثل هذا من علامات الشقاء وأريد بهذا سعادة الأرواح وشقاوتها المعنوية وإنما السعادة الحسية والشقاوة فعلاماتهما الأعمال المشروعة بشروطها وهو الإخلاص قال تعالى ألا لله الدين الخالص وقال وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين ويكفي هذا القدر من العلامات مجملا والله الموفق لا رب غيره وأما خيبة المعتمد على الأمور التي نصبها الله للاعتماد عليها ولما ذا يخيب صاحبها مع كون الحق نصبها لهذا الأمر وأهلها له فاعلم أيها الأخ الولي أن الأمور التي نصبها الحق للاعتماد عليها ما خرجت عنه ولكن جعلها هذا الخائب أربابا من دون الله فاعتمد عليها لذواتها لا على من جعلها فاضربه الجهل كما ذكرناه آنفا فالآثار الظاهرة عن نور الشمس في مرآة البدر إذا نظر فيه الناظر واعتمد على الشمس في ذلك من حيث هذا المجلى الخاص الذي ربط الله الأثر به فهذا لا يخيب فاته أعطى الأمر حقه وهذا لا ينكسف البدر في حقه أبدا والذي يخيب هو الذي ينكسف البدر في حقه فيبقى في ظلمة جهله مع وجود ذات المرآة القمرية فيكون هذا الخائب مع ذلك المظهر في الظلمات فإن القمر قد حجب في حق هذا الشخص الذي كان يعتمد عليه إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وهي الظلمة فإن الظلمة جهنم وأية ظلمة وأي جهنم أعظم من الجهل وبها شبه الله في قوله أو كظلمات فقال ظلمات بعضها فوق بعض وهو جهل على جهل وهو من جهل ولا يعلم أنه جهل فنفى عنه إن يقارب رؤية يده فكيف إن يراها وأدخل اليد هنا دون غيرها لأنها محل وجود الاقتدار وبها يقع الإيجاد أي إذا أخرج اقتداره ليراه لم يقارب رؤيته لظلمة الجهل لأنه لو رآه لرآه عين الاقتدار الإلهي ألا تراه إذا أخرجه في
(٦٥٩)