فقد أبان عن مقصوده وهو اللذة وهو ما قلناه وذهبنا إليه وإن لم يكن محققا فما هو من أصل طريقنا بالمعنى وإن ظهر بالصورة فلا كلام لنا معه ومنهم من يعطي للانعام وغير ذلك وليس من هذا المنزل إلا ما ذكرناه خاصة ومن هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه فأمرنا بمحبته لإنعامه وإحسانه وهل يكون منه سبحانه في حق العباد أمر وجودي يخرج عن الإنعام بوجه من الوجوه اختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من رأى أن الإنعام فيه عين وجوده ولا يلتفت إلى الأغراض المتعلقة مما يعطيه حكم هذا الموجود المنعم عليه بالوجود فإنه قد أنعم على الألم بوجود عينه وإن كان من يتألم به لا يوافق غرضه فهو نعمة الله على نفسه ولو توقف الأمر على عموم النعمة على الكل بالعين الواحدة ما كان شئ أصلا فإن الحقائق تأبى ذلك فإذا له في كل وجود نعمة فمن كان مقامه الإيثار يصدق في غرضه بزهده إذا قام به حكم الألم أن يشكر الله على ما أنعم به على الألم من وجود عينه بعد أن لم يكن إيثار الجناب الله على غرضه حيث ظهر في الملك من يساعده على تعظيم الله وشكره لأنه يشاهد شكر الألم لله تعالى على إيجاد عينه فأعظم شفيع يكون لمن هذه حاله عند الله الألم من الموجودات والاسم المبلى والمسقم من الإلهيات فيكون نتيجة تلك الشفاعة وجود اللذة ورحلة الألم إما بزوال السبب أو ببقائه فيكون خرق عادة وهذا من أعظم الخلق الذي يشرف به الإنسان وأما إيثاره في هذا لإرادة الله فلا يدري أحد ما يحصل له من اسمه المريد من الخير إلا الله الذي خصه بهذه الحال الشريفة فهذا هو الصدق مع الله في المعاملة وإن قبح فإنه لو نزل ذلك الألم بغيره فلا بد أن تصحبه هذه الحالة وقبيح عليه في حق الغير أن يراه يشكر الله على ما قام بذلك الغير من الألم ولا سيما إن كان محبوبا له أو نبيا أو رسولا وبما ينتجه هذا المقام من وجود العافية في ذلك الغير ستر القبح الذي كان لبسه هذا المحقق وأما من ترك العطاء في مثل هذا الموطن الذي ذكرناه فأنت تعرف مما بيناه لك ما سبب ذلك الترك وما المشهود لهذا التارك في وقت الترك فإنه يندرج علم ذلك كله فيما قررناه فابحث عنه فإنه يطول إن أوردناه وقد أعطيناك المفتاح وعينا لك قفله فافتح ما شئته من ذلك وأما الغني المكتسب في هذا الباب فهو حكمه فإن الإنسان إذا استغنى عن الغير كان دليلا على جهله بالحقائق إذ كان الغير لا أثر له فيه فقد علق غناه بغير متعلق وإن استغنى عن الله تعالى فأجهل وأجهل فإنه خرج بهذا الوصف عن العلم المحقق وعن الإسلام فلا أخسر منه لأنه لا أجهل منه فالاستغناء لا يصح حقيقة فإذا أضيف الغني إلى أحد فهي إضافة عرضية لا ذاتية ولهذا هو الاسم الغني للحق تعالى وصف سلبي سلب عنه الافتقار إلى العالم ومن افتقر إلى شئ لم يستغن عنه ألبتة فالاستغناء على الحقيقة إنما هو بالأسباب من حيث النسب أي من حيث إنها نسب فكل نسبة أذهبت عنك ضدها فهي الحاكمة عليك وهل تسمى بغني أم لا فلك النظر فيها بحسب ما تعطيك حقيقة تلك النسبة فإن كانت أغنتك عن غيرها فهي غنى وأنت غني بها وإن لم تغنك فما هي غنى ولا أنت غني بها فالشبع مثلا بمجرد حقيقته لا يقال فيه إنك قد استغنيت به عن الجوع من حيث حقيقة الجوع لأن الجوع ليس مطلوبا لك حتى تستغني بالشبع عنه ولكن إن كان الجوع إذا قام بك أعطاك من الصفاء والرقة واللطافة والتحقق بالعبودة والافتقار ما يعطيه حقيقته فأنت طالب له غير مستغن عنه فإن أعطاك الشبع ما أعطاك الجوع من كل ما ذكرناه فقد استغنيت بالشبع عن الجوع إذ الجوع ليس مطلوبا لنفسه وإنما هو مطلوب لما ذكرناه فإذا وجدنا ذلك في ضده فلا حاجة لنا به إذ الطبع يرده كما إن الطبع يوجده ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجوع ويقول إنه يئس الضجيع وذلك لأنه أيضا وإن أعطى ما ذكرناه ولكن لا يقطع أن يكون افتقاره ذلك إلى الله بل قد يكون لغير الله فلذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إنه بئس الضجيع في العموم فإن شيوخ الطريق يقولون لو بيع الجوع في السوق لزم المريد أن يشتريه ومن نظر منهم إلى ما نظره النبي صلى الله عليه وسلم جعله من أغاليط أهل الطريق كأبي عبد الرحمن السلمي إذ عمل أوراقا فيما غلطت فيه الصوفية وهو مذهبنا وللجوع حد ومقدار وهو الجوع المحقق بخلاف الجوع المتخيل فما وقعت الاستعاذة النبوية إلا من الجوع المحقق فإنه يكون به الإنسان عاصيا للشرع ظالما لنفسه إذا كان اختيارا ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوع قط إلا اضطرارا وهو حال العلماء بالله لأنهم من صفتهم العدل
(٦٥٨)