من صفات الطبيعة ثم إن الله قد أخبر عن الملأ الأعلى أنهم يختصمون والخصام من الطبيعة لأنها مجموع ضداد والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ولا يكون إلا بين الضدين ومن هذا الباب قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء هذا من طبيعتهم وغيرتهم على الجناب الإلهي فلو وقفوا مع روحانيتهم لم يقولوا مثل هذا حين قال لهم الله إني جاعل في الأرض خليفة بل كان جوابهم من حيث ما فيهم من السر الإلهي أن يقولوا ذلك إليك سبحانك تفعل ما تريد ونحن العبيد تحت أمرك بالطاعة لمن أمرتنا بطاعته فبالذي وقع من الإنسان من الفساد وغيره مما يقتضيه عالم الطبع به بعينه وقع الاعتراض من الملائكة فرأوه في غيرهم ولم يروه في نفوسهم وذلك لما قررناه من أن التعشق بالغرض يحول بين صاحبه وبين فعل ما ينبغي له أن يفعله ولهذا قال لهم الله تعالى إني أعلم ما لا تعلمون ثم أراهم الله شرفه عليهم بما خصه به من علم الأسماء الإلهية التي خلق المشار إليهم بها وجهلتها الملائكة فكأنه يقول سبحانه أجعل علمي حيث شئت من خلقي أكرمه بذلك فمن هنا تعلم ما ذكرناه وسيأتي العلم بهذا الأمر محققا مستوفى في منزله الخاص به فإن علوم هذه المنازل على قسمين منها علوم مختصة بالمنزل لا توجد في غيره ومنها علوم يكون منها في كل منزل طرف واعلم أن القلب وإن كان محل السعة الإلهية فإن الصدر محل السعة القلبية إذ كان إنما سمي صدرا لصدوره ولهذا قال ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فإن القلب في حال الورود يضيق لما يقتضيه من الجلال والهيبة وما يعطيه القرب الإلهي والتجلي وإذا صدر اتسع وانفسح لأنه كون وهو صادر إلى الكون فينفسح للمناسبة وتتسع أشعة نوره بانبساطها على الأكوان ويبتهج بكونه خص بهذا التعريف الإلهي على أبناء جنسه ولهذا إذا عرض له عارض يقبضه في غير محل القبض ينبهه الحق يذكره ما أنعم الله به عليه ليتذكر النعمة الإلهية عليه فيحول بينه وبين ما كان عليه من الضيق فهو في الظاهر من إلهي وفي المعنى رحمة بهذا القلب فمن هنا يقرر الحق عبده على ما متن به عليه فإن قلت فإن الله قد ذكر أنه يمن على عباده قلنا إنما جاء هذا لما امتنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فقال الله له قل لهم يا محمد بل الله يمن عليكم إن هداكم للإيمان أي إذا دخلتم في حضرة المن فالمن لله لا لكم فهو من علم التطابق لم يقصد به المن فما كان الله ليقول في المن ما قال ويكون منه كما قال صلى الله عليه وسلم ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم وما كان الله ليدلكم على مكارم الأخلاق من العفو والصفح ويفعل معكم خلافه فإذا وقع منكم من سفساف الأخلاق ما وقع رد الحق سبحانه أعمالكم عليكم لا أنه عاملكم بها من نفسه وإنما أعمالكم لم تتعداكم فلله المنة التي هي النعمة والامتنان الذي هو إعطاء المنة لا المن سبحانه وتعالى وإذا أراد الله تعالى رفعة عبده عند خلقه ذكر لعباده منزلته عنده إما بالتعريف وإما بأن يظهر على يده وفي حاله ما لا يمكن أن يكون إلا للمقرب من عباده فتنطلق له الألسنة وتنطق بعلو مرتبته عند سيده مثل فتحه صلى الله عليه وسلم باب الشفاعة يوم القيامة الذي اختص به على سائر الرسل والأنبياء فيعلو مناره في ذلك الموطن على كل أحد وهنالك تطلب الرياسة والعلو وأما في الدنيا فلا يبالي العارف كيف أصبح ولا أمسى عند الناس لأنهم في محل الحجاب وهو في موطن التكليف فكل إنسان مشغول بنفسه مطلوب بأداء ما كلف به من العمل ومما يتضمن هذا المنزل علم التنكير وهو التجلي العام وعلم التعريف وهو التجلي الخاص وهو مندرج في العام كالاسم الرب إذا تجلى فيه الحق لعباده فإنه تجل عام وإذا تجلى في مثل قوله فوربك فهو تجل خاص وإن كانت التجليات من الربوبية ولكن بينهما تباين فإن الحال التي لك مع الملك في مجلس العامة ليس هو الحال التي لك معه إذا انفردت به فلهذا مقام وعلم خاص ولهذا مقام وعلم خاص والتجلي العام أكثر علما وأنفع والتجلي الخاص أعظم قربة واعلم أن أصل الأمور كلها المعرفة عندنا والنكرة عرض طارئ فإذا عرض وقع الإبهام والإشكال فالعارف من عرفه في حال التنكير فهو نكرة في العموم وعند هذا هو معرفة في النكرة إذا قال القائل كلمت اليوم رجلا فرجل هنا نكرة وهو عند من كلمه معرفة بالتعيين في حال الحكم عليه بالنكرة فالذي يشاهد العارف من الحق في حال النكرة والإنكار من العالم هو عين المعرفة عنده لكونه أبقاه على الإطلاق الذي يستحقه في حال تقيده به العقائد فيجهله العامة في التنكير وهو مقام
(٦٥١)