النور الذي هو العلم رأى يده وهو اقتداره فعلم إن الاقتدار الكوني هو اقتدار الحق لارتفاع الظلمات المتراكمة التي كانت بعضها فوق بعض ولهذا وقع التشبيه بأشد الظلمات فإن ظلمة الجو تقترن معها ظلمة البحر تقترن معها ظلمة الموج تقترن معها ظلمة تراكم الموج تقترن معها ظلمة السحاب التي تحجب أنوار الكواكب فلا يبقى للنور ظهور لا في عينه ولا في مجلي من مجاليه فظلمة الليل ظلمة الطبع وظلمة البحر ظلمة الجهل وهو فقد العلم وظلمة الفكر ظلمة الموج وظلمة الموج المتراكم ظلمة تداخل الأفكار في الشبه وظلمة السحاب ظلمة الكفر فمن جمع هذه الظلمات فقد خسر خسرانا مبينا وهذه حالة المعطلة لا غيرهم وأما ما يتضمنه هذا المنزل من علم الإفصاح عن درجات القرب الإلهي من حضرة اللسن فاعلم أن ذلك معرفة علم الشارع المترجم عن الله الذي أمرنا بالإيمان بمحكمه ومتشابهه ولنقبل جميع ما جاء به فإن ناولنا شيئا من ذلك على أنه مراد المتكلم به في نفس الأمر زال عنا درجة الايمان فإن الدليل حكم على الخير فيعطل حكم الايمان وجاء العلم الصحيح من المؤمن يقول لصاحب هذا الدليل أما القطع منك بأن هذا الذي أعطاك نظرك هو مقصود المفصح بما أفصح به فهو عين الجهل وفقد العلم الصحيح وإن صادف العلم وقد زال عنك الايمان والسعادة مرتبطة بالإيمان وبالعلم الصحيح عن علم والعلم الصحيح هو الذي يبقى معه الايمان فعلى العارف أن يبين طريق السعادة نيابة عن الله تعالى في خلقه كنيابة القمر عن الشمس في إيصال النور فالأنبياء المرسلون عليهم السلام هم التراجمة عن الحق والورثة على درجتهم بما يعطيهم الله من الفهم فيما جاءت به الرسل من كتاب وسنة فهذا هو علم الإفصاح مختصر وأما علم تألف الضرتين فاعلم إن أبا سعيد الخراز قيل له بم عرفت الله فقال بجمعه بين الضدين وتلا هو الأول والآخر أي هو أول من عين ما هو آخر وظاهر من حيث ما هو باطن لأن الحيثية في حقه واحدة وكل ضدين ضرتان وهذا لا يدرك من قوة العقل فإن قوة العقل لا تعطيه وإنما يدرك هذا من المقام الذي وراء طور العقل الذي كان من ذلك الطور أعطى الواجبات وجوبها والجايزات جوازها والمستحيلات إحالتها والأحديات أحديتها فهو الذي جعل الواحد واحدا كما جعل الواجب واجبا بإعطائه الوجوب وليس في قوة العقل إدراك ما ذكرناه من حيث فكره فهذا علم صحيح إلهي لا عقلي فإذا اجتمع الضدان في العلم الإلهي فقد تألفت الضرتان وتحابا إذ كانا لعين واحدة فتدبر هذا الفصل بنور الايمان لا بنور العقل فإنه مردود عقلا غير مقبول وكما لم يكن في قوة البصر أن يدرك المعقولات ولم يتعد حده كذلك العقل ليس في قوته إن يدرك ما يعطيه البصر بذاته من غير واسطة البصر فإذا عجزت قوة العقل أن تستقل بعلم المبصرات من حيث ما هي مبصرات وهي مخلوقة وقوة البصر مخلوقة فمن له بإدراك ما يخرج عن طوره إلى ما هو أعلى في نسبته إلى الحق وقد عجز عن إدراك ما خرج عن طوره إلى ما هو أنزل درجة وهو الحس في زعمه ومن افتقر إلى مخلوق مثله في أمر فهو إلى الخالق أفقر ويكفي هذه الإشارة فيما يعرفه العارفون من ذلك وأما معرفة الاصطلام اللازم وصفة من أعطى مقام هذا الاصطلام من المقربين من أمثالهم ممن لم يعطه فاعلم أن الاصطلام نار ترد على قلوب المحبين تحرق كل شئ تجده ما سوى المحبوب وقد تذهب في أوقات بصورة المحبوب من نفس المحب وهو الوقت الذي يطلب المحب أن يتخيل محبوبه فلا يقدر على تخيله ولا يقيم صورته لقوة سلطان حرقة لهيب نار الحب فيقال فيه في ذلك الحال مصطلم وهو الذي أراد القائل بقوله أودع فؤادي حرقا أودع * ذاتك توذى أنت في أضلعي وارم سهام الحب أو كفها * أنت بما ترمي مصاب معي موقعها القلب وأنت الذي * مسكنه بذاك الموضع ومن هذه الحال قال قيس بن الملوح مجنون بنى عامر صاحب ليلى وكان قد جاءته ليلى وهو مصطلم يأخذ الجليد ويلقيه على صدره فيذيبه من ساعته حرارة الفؤاد وهو يصيح ليلى ليلى طلبا لها لفقد صورتها من خياله فنادته يا قيس أنا مطلوبك أنا ليلى فلم يكن لها في نفسه صورة متخيلة يعرفها بها إلا أنه لما سمع منها اسمها قال لها إليك عني فإن حبك
(٦٦٠)