ومن هنا وقع الخلاف بين أهل الكشف فمن كشف رجوع أعيان الصور التي كانت موجودة إلى كونها ثابتة غير موجودة قال بأن الريح العقيم قد أنتجت في حضرة الثبوت ما كان قد خرج عنها وهو مشهود للحق وبه تعلقت المشيئة بقوله إن يشأ يذهبكم أي يردكم إلى الحالة التي كنتم موصوفين فيها بالعدم وإنما كان هذا عقما لأنه لم يظهر عنه وجود العين لنفسه وإن كان ظاهرا مشهودا لخالقه ومن لم يشهد رجوع أعيان الصور الموجودة إلى العدم عند توجه المشيئة أو هبوب الريح العقيم قال إن ذلك لا ينتج شيئا فإن الإيجاد للاقتدار لا للمشيئة فقط وللريح اللاقحة لا للعقيم إذ لو ظهر شئ وجودي عنها لم تكن عقيما فهذا سبب الخلاف بين أهل الكشف فمتعلق النافي عين الوجود ومتعلق المثبت عين الثبوت فما تواردا على شئ واحد فلا خلاف في الحقيقة إذ كان هذا الطريق عند المحققين منا لا يتصور فيه خلاف إلا أن يكون مثل هذا وهذا خلاف لفظي فإذا فسر كل واحد ما أراده بذلك اللفظ ارتفع الخلاف ويكفي ما أومأنا إليه ومن هذا المنزل التجلي الشمسي لما وقع التشبه عند علماء الرسوم في رفع الشك عن الرائي في المرئي بالشمس والقمر ليلة البدر وهو من بعض الوجوه المقصودة في هذا الحديث ولكن عرف المحققون زائدا على هذا أن المظهرين مختلفان وأن التجلي المشبه بالقمر ليلة البدر مظهر خاص لأنه قال ليلة البدر ولم يقل في إبداره فأضافه إلى الليلة فإني أشاهده بدرا مع وجود الشمس بالنهار فما أضافه إلى الليلة إلا لأمر عرفه المحققون وليس هذا منزل الكلام عليه ولكن هذا المنزل يتضمن منزل التجلي في الشمس فإن الحق يتعالى عند المحققين أن يتجلى في صورة واحدة مرتين أو لشخصين فلا تكرار في أمر عند الحق للاطلاق الذي هو عليه والاتساع الإلهي والتكرار مؤد إلى الضيق والتقييد فاعلم إن التجلي الشمسي أي المشبه بالشمس هو يسمى عندنا التجلي الأوسع وهو التجلي الذي لا يفنى الإنسان عن رؤية نفسه فيه وقد أومأنا إليه في أول هذا الكتاب في باب الأرض التي خلقت من بقية الطينة الآدمية وهذا التجلي مظهر ذاتي عجيب ونسب التجلي فيه إلى معلوله لا إلى علته مع ظهور العلة في معلولها عينا محققة مجهولة الكيفية كظهور الشمس في النهار مع كون النهار معلولا عن ظهور الشمس ونور السراج عن السراج المنبسط في زوايا الكون فمثل هذا يسمى شهود العلة ومعلولها معا فكل تجل لا يغنيك عنك فهو بهذه المثابة وإنما سمي أوسع لأن المشاهد يعم رؤيته المتجلي والمتجلي فيه وله وغير الأوسع لا تشاهد غيره لا نفسك ولا غيرك ولا تعلم شهودك ولا ما أنت فيه حتى تعود إليك ويقع الحجاب فلو قرع الحجاب كان ذلك التجلي مقيدا ضيقا إذ قيده الحجاب والأوسع يظهر في الحجاب وفي غير الحجاب ويفرق الشاهد بين الصورتين ولهذا يقال فيهم ردوهم إلى قصورهم للإشارة إلى عجزهم أي يحبسون فيه وهنا بحور تحوي على أنواع من نفيس الجواهر لا يدركها إلا كل غواص واسع النفس عاشق في الغيب فقد بينت لك المقصود من هذا التجلي الذي يحويه هذا المنزل وفوائده لا تحصى لو ذهبنا نذكرها ما وسعها ديوان فإن له التأبيد في العالم العلوي في الدنيا وله التأبيد في العالم الأخروي السفلي وما ثم نجل يجمع فيما يكون عنه بين الضدين من ألم ولذة إلا هذا التجلي وهو كتجلي المحبوب للمحب يعانق غيره ويقبله فهو من نظره في لذة ومن نظره في ألم ومن هذا المنزل معرفة الجود المقيد بالخوف والجزاء ومرتبة الصدق وإن قبح ومرتبة الكذب وإن حسن والغني المكتسب وهو الغني العرضي وعلامات السعادة وعلامات الشقاء واعلم أن أسباب العطاء تختلف فمنهم من يعطي للعوض ويسمى شراء وبيعا ففيه من الجود إن المشتري قد أنعمت عليه من كونك بائعا ماله غرض عظيم في تحصيله وقد أعطاك هو ما هو مستغن عنه فكل واحد منهما قد جاد على صاحبه بإيصاله إليه ما كان له غرض في تحصيله إذ كان له منع ذلك فبهذا القدر يلحق بباب الجود من جهة المعطي له اسم مفعول لا من جهة المعطي اسم فاعل وقد يعطي الإنسان من هذا الباب خوفا على عرضه أو حلول آلام حسية تحل به فكأنه يشتري الثناء الحسن والعافية والأمن بذلك العطاء فهو كالأول والفرق بينهما إن الذي اشترى به في الأول هو مما يمكن أن يكون له فيه غرض وهذا لا يمكن أن يكون له في الألم وإزالة العافية والأمن غرض أصلا ومن يقول بخلاف هذا من أصحابنا إن كان محققا كأبي يزيد في قوله وكل مآربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
(٦٥٧)