عن البلوغ إلى ذلك فيحصل لهم العلم بأنه ثم من لا يعلم فترك العلامة علامة فقد تميز عن خلقه بسلب لا بإثبات وقد تكون المعرفة به من كونه إلها فيعلم ما تستحقه المرتبة فيجعلون ذلك صفة لمن قامت به تلك المرتبة وظهر فيها فيكون علمهم بما تقتضيه الرتبة علمهم بصاحبها إذ هو المنعوت بها فهو المنعوت بكل ما ينبغي لها أن توصف به وعلى الحقيقة يعلم أن هذا علم بالمرتبة لا به لكن يعلم أنه ما في وسع الممكن أكثر من هذا في باب النظر وإقامة الأدلة فإن كشف الله عن بصر الممكن بتجل يظهر له به الحق يعلم عند ذلك ما هو الأمر عليه فيكون بحسب ما يعلمه ومن أهل النظر من يروم هذا الحكم الذي ذهب إليه صاحب التجلي ولكن لا يقوى فيه لأنه خائف من الغلط في ذلك لعدم الذوق فهو يرومه ولا يظهر به والمعتمدون على هذا الأصل على طبقات لاختلافهم في أحوالهم فمنهم من يعتمد عليه في كل شئ عند ظهور ذلك الشئ ومنهم من يعتمد عليه في الأشياء قبل ظهور الأشياء ومنهم من ترده الأشياء إليه فيعتمد عليه بعد أن كان يعتمد على الأشياء وذلك كله راجع إلى استعداداتهم واعلم أن هذا الباب يتضمن علم السكون والحركة أي علم الثبوت والإقامة وعلم التغيير والانتقال قال تعالى وله ما سكن أي ما ثبت فإن نعت القديم ثابت ونعت المحدثات يثبت لثبوتها ويزول لزوالها ويتغير عليها النعت لقبولها التغيير لأنها كانت معدومة فوجدت فقبلت الوجود فلم تثبت على حالة العدم فلما كان أصلها قبول التنقل من حال إلى حال تغيرت عليها النعوت فلم تثبت الأعلى التغيير لا على نعت معين والسكون أيضا لما كان عدم الحركة لا يصح فيه دعوى أضافه الحق إليه والحركة لما كانت الدعوى تصحبها أي تصحب لمن ظهر بها لم يقل تعالى إنه له ما تحرك فإن الدعوى تدخلها من المحركين والوجه الثبوت لا العدم فله الثبوت وللعالم الزوال وإن ثبت فإن ذلك ليس من نفسه وإنما ذلك من مثبته قال النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل قال هذا أصدق بيت قالته العرب وإن كانت الأشياء موجودة فهي في حكم العدم لجواز ذلك عليها وإن لم يقع والاعتماد لا نشك أنه سكون إلى من يعتمد عليه لا بد من ذلك ولا يعتمد إلا على من له ثبوت الوجود ولا يقبل التغيير ولا الانتقال من حال الثبوت ومن علم أنه يقبل الانتقال من الثبوت لا يعتمد عليه لأنه يخون المعتمد عليه ذلك الاعتماد لارتباطه بمن لا ثبوت له فلا يعتمد على محدث إلا عن كشف وإعلام إلهي فيكون اعتمادنا على من له نعت الثبوت كاعتمادنا على الشرائع فيما يجب الايمان به فلو لا التعريف الإلهي بما أظهره من الآيات على صدقه لم نثبت على ذلك كما لا نثبت على الحكم ثبوت من لا ينتقل لجواز النسخ وكل ذلك شرع يجب الايمان به فإن النسخ لما كان عبارة عن انتهاء مدة ذلك الحكم أعقبه حكم آخر لا أن الأول استحال بل انقضى لانقضاء مدته لارتباطه في الأصل بمدة يعلمها الله معينة وإن لم نعلم نحن ذلك فلا نعتمد على سبب محدث عادي إلا بإعلام من الله إنه يثبت حكمه كالإيمان الذي تثبت معه السعادة فيعتمد عليه فنقول إن السعادة مرتبطة بالإيمان بالله وبما جاء من عنده لإعلام الحق بذلك ولا يعتمد عليه في بقائه بالشخص الذي نراه مؤمنا فإنه قد يقوم به أمر عارض يحول بينه وبين الايمان الذي يعطي السعادة فتنتفى السعادة عنه لانتفاء الايمان بخلاف العلم فإن العلم له الثبوت ولا تؤثر فيه الغفلات فإنه لا يلزم العالم الحضور مع علمه في كل نفس لأنه وال مشغول بتدبير ما ولاة الله عليه فيغفل عن كونه عالما بالله ولا يخرجه ذلك عن حكم نعته بأنه عالم بالله مع وجود الضد في المحل من غفلة أو نوم ولا جهل بعد علم أبدا إلا إن كان العلم قد حصل عن نظر في دليل عقلي فإن مثل ذلك ليس عندنا بعلم لتطرق الشبه على صاحبه وإن وافق العلم وإنما العلم من لا يقبل صاحبه شبهة وذلك ليس إلا علم الأذواق فذلك الذي نقول فيه إنه علم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الفصل السادس والأربعون) في الاعتماد على العالم من كونه هو الكتاب المسطور في رق الوجود المنشور في عالم الأجرام الكائن من الاسم الله الظاهر اعلم أن هذا الاعتماد لا يصح إلا أن يكون صاحبه صاحب علم بتعريف إلهي وذلك أن العالم إنما جئنا به بهذه اللفظة لنعلم إنا نريد به جعله علامة ولما ثبت أن الوجود عين الحق وأن ظهور تنوع الصور فيه علامة على أحكام أعيان الممكنات الثابتة فسميت تلك الصور الظاهرة بالحكم في عين الحق ظهور الكتاب في الرق عالما وأظهرها الاسم الإلهي الظاهر بل ظهر بها فهذا باب يتميز فيه الحق من الخلق وأن تنوع الصور لم يؤثر في العين الظاهرة
(٤٧٣)