ينبغي أن يقال في الحركات المعنوية والحسية إنها ثلاث حركات حركة من الوسط وهي التي تعطي ما ظهر عن الأصل الذي منه تنشأ الأجسام الطبيعية وحركة إلى الوسط وهي الإمداد الإلهي وحركة في الوسط وهي ما به بقاء عين الأصل وما من نبات إلا وهو دواء وداء أي فيه منفعة ومضرة بحسب قبول الأمزجة البدنية وما هي عليه من الاستعداد فيكون المضر لبعض الأمزجة عين ما هو نافع لمزاج غيرها فلو كان لعينه لم يختلف حكمه وإنما كان للقابل والقابل نبات كما هو نبات فما أثر بضرره ولا نفعه إلا في نفسه من كونه نباتا وإن كثرت أشخاصه وتميزت بالشخصية وإنما نبهنا بهذا على أعيان أشخاص العالم وما أثر بعضه في بعضه والعين واحدة بالحد الذاتي كثير بالصور العرضية وقد أعلمتك في غير موضع من هو عين العالم الظاهر وأنه غير متغير الجوهر ولمن هو الحكم الذي ظهر به التغيير في هذه العين وأنه مثل ظهور التغيير في صور المرآة لتغيير هيأت الرائي وقد يكون لتغيير المتجليات في أنفسها والمرآة محل ظهور ذلك لعين الرائي فالعماء الذي هو النفس الإلهي هو القابل لهذه الصور كلها فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الفصل الرابع والثلاثون) في الاسم الإلهي المذل وتوجهه على إيجاد الحيوان وله من الحروف الذال المعجمة ومن المنازل سعد السعود قال تعالى وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون وقال وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فدخل الحيوان في ذلك وهذا حكم الاسم المذل في العالم بالتسخير حتى في المسخر له جعل الله بعضه مسخر البعض من الاسم المذل فإن أصل الكل مخلوق من الأرض وهي الذلول بالجعل الإلهي كما هي العزيزة بالأصالة وجعل علة تسخير بعضها لبعض مع كون العالم مسخرا لنا رفعة لبعضنا على بعض بالدرجة التي يحتاج إليها المسخر المفعول قال تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا فاعلم أيدك الله بروح منه أني ما أتكلم في هذه الموجودات في هذا النفس الإلهي إلا من حيث حكم الاسم الإلهي الذي أذكره مع ذلك الموجود من العالم خاصة وبعض ما له فيه من الأثر فاعلم أن التسخير قد يكون إذلالا وقد يكون للقيام بما يحتاج إليه ذلك المسخر له بالحال وهذا الفرقان بين التسخيرين بما تعطيه حقيقة المسخر والمسخر له فالعبد الذي هو الإنسان مسخر لفرسه ودابته فينظر منها في سقيها وعلفها وتفقد أحوالها مما فيه صلاحها وصحتها وحياتها وهي مسخرة له بطريق الإذلال لحمل أثقاله وركوبه واستخدامه إياها في مصالحه وهكذا في النوع الإنساني برفع الدرجات بينهم فبالدرجة يسخر بعضهم بعضا فتقتضي درجة الملك أن يسخر رعيته فيما يريده بطريق الإذلال للقيام بمصالحه لافتقاره إلى ذلك وتقتضي درجة الرعايا والسوقة أن تسخر الملك في حفظها والذب عنها وقتال عدوها والحكم فيما يقع بينها من المخاصمات وطلب الحقوق فهذه سخرية قيام لا سخرية إذلال اقتضتها درجة السوقة ودرجة الملك والمذل من الأسماء هو الحاكم في الطرفين ثم يأتي الكشف في هذه المسألة بأمر عجيب ينطق به القرآن ويشهده العيان فقال وهو الله في السماوات وفي الأرض وقال وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه وقال لقمان لابنه يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله فإنه في الأرض وهو في السماء وهو في الصخرة ومعنا أينما كنا فإن الخالق لا يفارق المخلوق والمذل لا يفارق الإذلال إذ لو فارقه لفارقه هذا الوصف وزال ذلك الاسم وقال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي يتذللوا إلي ولا يتذللون إلي إلا حتى يعرفوا مكانتي وعزتي فخلقهم باسم المذل لأنه خلقهم لعبادته ووصف نفسه بأنه القيوم القائم على كل نفس بما كسبت وقال ولا يؤده حفظهما فوصف نفسه بأنه يحفظ ما في السماوات وما في الأرض فبالدرجة يكون حافظا لما يطلبه العالم من حفظ الوجود عليه وبالدرجة يكون العالم محفوظا له فإذا علمت أن السيد يسخر عبده بالدرجة والعبد يسخر سيده بالحال وما يفعل ذلك السيد للعبد بطريق الجبر من العبد والإذلال وإنما يفعله لثبوت سيادته عليه فما سخره للعبد إلا حظ نفسه ألا ترى أنه يزول عن السيد اسم السيد إذا باع عبده أو هلك فانظر في حكم هذا الاسم ما أعجبه وإنما اختص بالحيوان لظهور حكم القصد فيه ولأنه مستعد للإباية لما هو عليه من الإرادة فلما توجه عليه الاسم المذل صار حكمه تحت حكم من لا إرادة له ولا قدرة لما
(٤٦٥)