الأمر بين حكم برزخي وصورة عليا كرؤية الحق في صورة ملك فالجامع والبصير والنافع يرفعون الحرج فيما وقع فيه التشبيه ويوفون حق أحد الحكمين وهو الحكم الذي يلي جانب العزة وأصحاب الجود الإلهي يعتبرون التوحيد فيبرزونها مع رفع الحرج فالتوحد مثل قوله ليس كمثله شئ ورفع الحرج تمام الآية وهو السميع البصير مرتبة أخرى إذا ظهر أمران إلهيان في صورتين مختلفتين والأمران برزخيان فالحكم الإلهي في ذلك وهو أن ترى صورة الحق في البرزخ وصورة الملك في البرزخ على صورة إنسيين كصورة موسى وهارون مثلا أو ترى الحق في صورة شخصين معا في رؤيا واحدة في عالم البرزخ مثل أن ترى الحق في صورة شاب وشيخ في حال واحدة ولا شك إنها الحق ليس غيره فحكم العلم من العلماء بالله وأهل الجود الإلهي في هذه الواقعة أن هذا إمداد إلهي لهذه الصورة التي ظهر فيها الحق وأهل الجود أيضا والفضلاء أصحاب الزيادات من العلم الإلهي مع الاسم البصير من الأسماء الإلهية يزيلون الحق بليس كمثله شئ ويتأولون الصورة بما يليق بها وما بقي من الأسماء الإلهية والطبقات من أهل الله أرباب المقامات والتحقيق يتركون الحق حقا بما يليق به والصورة صورة بما يليق بها وهو الأولى عندي مرتبة أخرى نبي من الأنبياء كعيسى روح الله وكلمته يظهر حقا من كونه كلمة الله وظهر ملكا من كونه روح الله فالحكم في هذه الواقعة عند العلماء بالله وأهل الجود من أهل الله يلحقون الملك بذلك النبي وينزهون الحق عن تلك الصورة وأما الراسخون في العلم وهم أهل الزيادات ويوافقهم أيضا أهل الجود الإلهي يقولون الجناب الإلهي أقبل للصور من العالم فيلحقون بصورة ذلك النبي ويبقون صورة الملك على ما هي عليه لا يتأولونها ولا سيما في عيسى فإنه تمثل لأمه بشرا سويا حين أعطاها عيسى وأما الاسم الإلهي البصير فإنه يسقط صورة الحق من ذلك تنزيها ويبقى ما بقي على حاله مرتبة أخرى ملك من الملائكة ظهر في صورة محسوسة وظهر في مقام حق وقال أنا الحق كما سمع موسى الخطاب من الشجرة إنني أنا الله لا إله إلا أنا فحكم العلماء العارفون وأهل الجود الإلهي يقولون في الصورة المحسوسة إنها ملك وفي مقام الحق أنه حق وأما أهل الزيادات من العلماء بالله وأهل الجود الإلهي يوافقونهم على حكمهم أيضا يحكمون على الحق بالملكية والاسم البصير الإلهي يسقط بحكمه الحق من أجل ما دخله من التشبيه ويبقى ما بقي على ما هو عليه وجميع أهل الله يقولون لما كان الحق يقبل الصور لم يبعد على الصور أن تدعى فيه وتقول أنا الحق فالذي يعتمد عليه في هذه المسألة أن يعطي الحق من جهة الشرع حقه لا من جهة العقل ويعطي الحس حقه ويعطي الملك حقه ومع هذا فلا بد عند غير المحققين أن يصحبوا التوحيد بين الحكمين مخافة الاشتراك والمحقق لا يبالي فإنه قد عرف ما ثم مرتبة أخرى إذا كانت إحدى الصورتين علوية والأخرى برزخية فالأسماء الثلاثة الجامع والبصير والنافع يرفعون الحرج في الصورة البرزخية وغيرها ولا يعطون كل ذي حق حقه من الصورتين واعلم أن جميع ما ذكرناه هو حكم العقل في الأمور فتارة يعطي التشديد فيها وتارة يعطي اليسر فيها وتارة يعطي كل ذي حق حقه فيكون في كل حكم بحسب ما يتجلى له الحق فيه سواء كان ذلك في الإلهيات أو في الطبيعيات أو فيما تركب منهما في الجمع والفرق والفناء والبقاء والصحو والسكر والغيبة والحضور والمحو والإثبات إفصاح بما هو الأمر عليه اعلم أن الأمر حق وخلق وأنه وجود محض لم يزل ولا يزال وإمكان محض لم يزل ولا يزال وعدم محض لم يزل ولا يزال فالوجود المحض لا يقبل العدم أزلا وأبدا والعدم المحض لا يقبل الوجود أزلا وأبدا والإمكان المحض يقبل الوجود لسبب ويقبل العدم لسبب أزلا وأبدا فالوجود المحض هو الله ليس غيره والعدم المحض هو المحال وجوده ليس غيره والإمكان المحض هو العالم ليس غيره ومرتبته بين الوجود المحض والعدم المحض فبما ينظر منه إلى العدم يقبل العدم وبما ينظر منه إلى الوجود يقبل الوجود فمنه ظلمة وهي الطبيعة ومنه نور وهو النفس الرحماني الذي يعطي الوجود لهذا الممكن فالعالم حامل ومحمول فبما هو حامل هو صورة وجسم وفاعل وبما هو محمول هو روح ومعنى ومنفعل فما من صورة محسوسة أو خيالية أو معنوية إلا ولها تسوية من جانب الحق وتعديل كما يليق بها وبمقامها وحالها وذلك قبل التركيب أعني اجتماعها مع المحمول الذي تحمله فإذا سواها الرب بما شاءه من قول أو يد أو يدين أو أيد وما ثم سوى هذه الأربعة لأن الوجود على التربيع قام وعدله وهو التهيؤ والاستعداد للتركيب والحمل تسلمه الرحمن فوجه عليه نفسه
(٤٢٦)