فحسرت عنها ذيلها إلى أن بد إلى فرجها فنظرت إليه ثم قلت لا يحل لي أن أنظر إلى فرج أمي فسترته وهي تضحك فوجدت نفسي قد كشفت في هذه المسألة وجها ينبغي أن يستر فسترته بألفاظ حسنة بعد كشفه قبل إن أرى هذه الواقعة فكانت أمي الطبيعة والفرج ذلك الوجه الذي ينبغي ستره والكشف إظهاره في هذا الفصل والتغطية بذلك الثوب الأبيض الحسن ستره بألفاظ وعبارات حسنة ثم إني أيضا كما أنا في كلامي على الطبيعة في هذا الفصل أخذتني سنة فرأيت كأني على فرس عظيم وقد جئت إلى ضحضاح من الماء أرضه حجارة صغار فأردت عبوره فرأيت أمامي رجلا على فرس شهباء يعبر وإذا فيه مثل الساقية عميقة مردومة بتلك الحجارة لا يشعر بها حتى يغرق فيها وإذا بذلك الفارس قد غرق فيها فرسه وقد نشب إلى أن وصل الماء إلى كفل فرسه ثم خلص إلى الجانب الآخر فنظرت من أين أعبر فوجدت مبنيا عليه مجازا ذا أدراج من الجهتين للرجالة لا يمكن للفرس أن يصعد عليه فيصعد فيه بإدراج متقاربة جدا وأعلاه عرض شبر وينزل من الجانب الآخر بإدراج فركضت جنب فرسي والناس يتعجبون ويقولون ما يقدر فرس على عبوره وأنا لا أكلمهم ففهم الفرس عني ما أريده منه فصعد برفق فلما وصل إلى أعلاه وأراد الانحدار توقف وخفت عليه وعلى نفسي من الوقوع فنزلت من عليه وعبرت وأخذت بعنانه وما زال من يدي فعبر الفرس وتخلصنا إلى الجانب الآخر والناس يتعجبون فسمعت بعض الناس يقولون لو كان الايمان بالثريا لنالته رجال من فارس فقلت ولو كان العلم بالثريا لنالته العرب والايمان تقليد فكم بين عالم وبين من يقلد عالما فقالوا صدق فالعربي له العلم والايمان والعجم مشهود لهم بالإيمان خاصة في دين الله ورددت إلى نفسي فوجدتني في مسألة في الطبيعة تطابق هذه الرؤيا فتعجبت من هاتين الواقعتين في هذا الفصل ونظرت في كواكب المنازل من كوكب واحد كالصرفة إلى اثنين كالذراع إلى ثلاثة كالبطين إلى أربعة كالجبهة إلى خمسة كالعوا إلى ستة كالدبران إلى سبعة كالثريا إلى تسعة كالنعائم ولم أر للثمانية وجودا في نجوم المنازل فعلمت أنه لما لم تكن للثمانية صورة في نجوم المنازل لهذا كان المولود إذا ولد في الشهر الثامن يموت ولا يعيش أو يكون معلولا لا ينتفع بنفسه فإنه شهر يغلب على الجنين فيه برد ويبس وهو طبع الموت وله من الجواري كيوان وهو بارد يابس فلذلك لم أر للثمانية وجودا في المنازل ثم علمت أن السيارة لا نزول لها ولا سكون بل هي قاطعة أبدا وقد يكون مرورها على عين كواكب المنزلة وقد يكون فوقها وتحتها على الخلاف الذي في حد المنزلة ما هو فسميت منزلة مجازا فإن الذي يحل فيها لا استقرار له وإنه سابح كما كان قبل وصوله إليها في سباحته فراعى المسمى ما يراه البصر من ذلك فإنه لا يدرك الحركة ببصره إلا بعد المفارقة فبذلك القدر يسميها منزلة لأنه حظ البصر فغلبه واعلم أن الطبيعة هذا حكمها في الصور لا يمكن أن تثبت على حالة واحدة فلا سكون عندها ولهذا الاعتدال في الأجسام الطبيعية العنصرية لا يوجد فهو معقول لا موجود ولو كانت الطبيعة تقبل الميزان على السواء لما صح عنها وجود شئ ولا ظهرت عنها صورة ثم نشأة الصور الطبيعية دون العنصرية إذا ظهرت أيضا لا تظهر والطبيعة معتدلة أبدا بل لا بد من ظهور بعض حقائقها على بعض لأجل الإيجاد ولولا ذلك ما تحرك فلك ولا سبح ملك ولا وصفت الجنة بأكل وشرب وظهور في صور مختلفة ولا تغيرت الأنفاس في العالم جملة واحدة وأصل ذلك في العلم الإلهي كونه تعالى كل يوم هو في شأن واليوم الزمن الفرد والشأن ما يحدث الله فيه فمن أين يصح أن تكون الطبيعة معتدلة الحكم في الأشياء وليس لها مستند في الإلهيات فهذا قد أبنت لك وجود الطبيعة انتهى الجزء الحادي والعشرون ومائة (الفصل الرابع عشر في الاسم الإلهي) الآخر وتوجهه على خلق الجوهر الهبائي الذي ظهرت فيه صور الأجسام وما يشبه هذا الجوهر في عالم المركبات وتوجهه على إيجاد حرف الحاء المهملة من الحروف وإيجاد الدبران من المنازل اعلم أن هذا الجوهر مثل الطبيعة لا عين له في الوجود وإنما تظهره الصورة فهو معقول غير موجود الوجود العيني وهو في
(٤٣١)