الفكر والتفكر فإذا انفرد بذلك في نفسه كان له حكم وإذا دبر مع غيره كان له حكم يقال له في عالم الإنسان المشاورة يقول تعالى لنبيه ص آمرا وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله فحكم التدبير الذي يدبر به ولايته على أقسام سواء انفرد بالتدبير أو طلب المشاركة بحكم المشورة والسبب الموجب للمشورة كون الحق له وجه خاص في كل موجود لا يكون لغير ذلك الموجود فقد يلقى إليه الحق سبحانه في أمر ما ما لا يلقيه لمن هو أعلى منه طبقة كعلم الأسماء لآدم مع كون الملأ الأعلى عند الله أشرف منه ومع هذا فكان عند آدم ما لم يكن عندهم وقد ذكرنا في هذا الكتاب دليل تفضيل الملأ الأعلى من الملائكة على أعلى البشر أعطاني ذلك الدليل رسول الله ص في رؤيا رأيتها وقبل تلك الرؤيا ما كنت أذهب في ذلك إلى مذهب جملة واحدة وإذا كان هذا فقد ينفرد في أمور نصبها في العالم بما هو مدبر ومفصل لا عن فكر فإنه ليس من أهل الأفكار وقد يشاركه في تدبيره عقل آخر مثل النفس الكلية التي أذكرها في الفصل الذي يلي هذا إن شاء الله فمثل هذا هو حظ المشورة في عالم الخلق وسبب ذلك توفية الألوهة ما تستحقه لما علم أن لله تعالى في كل موجود وجها خاصا يلقى إليه منه ما يشاء مما لا يكون لغيره من الوجوه ومن ذلك الوجه يفتقر كل موجود إليه وإن كان عن سبب فإن قلت فقد أعلمه الله علمه في خلقه حين قال له اكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة قلنا الجواب على هذا من وجهين الوجه الواحد وإن علم ما يكون فمن جملة ما أعلمه به من الكون مشورته ومشاركة غيره له في تدبيره كما نعلم أن الله يعلم ما يكون من خلقه ولكنه قال ولنبلونكم حتى نعلم وأعلم من الله فلا يكون وقد جاء مثل هذا في حق الله والوجه الآخر في الجواب وهو إنا قد علمنا إن لله في كل كائن وجها يخصه وذلك الوجه الإلهي لا يتصف بالخلق وقال للقلم اكتب علمي في خلقي وما قال له اكتب علمي في الوجه الذي مني لكل مخلوق على انفراده فهو سبحانه يعطي بسبب وهو الذي كتبه القلم من علم الله في خلقه ويعطي بغير سبب وهو ما يعطيه من ذلك الوجه فلا تعرف به الأسباب ولا الخلق فوقعت المشورة ليظهر عنها أمر يمكن أن يكون من علم ذلك الوجه فيلقي إليه من شاوره في تدبيره علما قد حصل له من الله من حيث ذلك الوجه الذي لم يكتب علمه ولا حصل في خلقه ولهذا قال الله لرسوله فإذا عزمت فتوكل على الله يعني على إمضاء ما اتفقتم عليه في المشورة أو ما انفردت به دونهم وقوله فتوكل على الله في مثل هذا ما لم يقع الفعل فإن العزم يتقدم الفعل فقيل له توكل على الله فإنه ما يدرى ما لم يقع الفعل ما يلقي الله في نفسك من ذلك الوجه الخاص الإلهي الخارج عن الخلق وهو الأمر الإلهي فإن له الخلق والأمر فما كان من ذلك الوجه فهو الأمر وما كان من غير ذلك الوجه فهو الخلق وكذلك جرى الأمر في حركات الكواكب فيعطي كل كوكب في الدرجة الفلكية على انفراده من الحكم ما لا يعطيه إذا اجتمع معه في تلك الدرجة كوكب آخر أو أكثر فاجتماعهم بمنزلة المشورة وعدم اجتماعهم بمنزلة ما ينفرد به فيكون عن الاجتماع ما لا يكون عن الانفراد فأوحى في كل سماء أمرها مما تنفرد به ومما لا تنفرد به فذلك ما يحدث من الاجتماع فإنه خارج عن الأمر الذي تنفرد به كل سماء ثم في الاجتماعات أحوال مختلفة فيكون ما يحدث بحسب اختلاف الأحوال والأحوال هنالك في القرانات كالأغراض عندنا فكل يقول بحسب غرضه ونظره قل كل يعمل على شاكلته ثم ينزل الأمر إلى النفس الإنساني فيكون حكم الحرف الواحد خلاف حكمه إذا اجتمع مع غيره فالقاف في ق مفرد يدل على الأمر بالوقاية فإذا اجتمع مع لام جاء منه صورة تسمى قل فحدث للقاف أمر بالقول وأين هو من الأمر بالوقاية وكذلك لو اجتمع بحرف الميم ظهر من هذا الاجتماع صورة قم فحدث للقاف أمر بالقيام وهكذا ما زاد على حرف من حروف متصلة لإبراز كلمة أو منفصلة لإبراز كلمات فتحدث أمور لحدوث هذه الكلمات فيقول السيد لعبده قل فيحدث في العبد القول فيقول أو قم فيقوم فيظهر من المأمور حركة تسمى قياما عن ظهور صورة ذلك الاجتماع فهكذا تحدث الكائنات في النفس الرحماني فتظهر أعيان الكلمات وهو المعبر عنها بالعالم فالكلمة ظهورها في النفس الرحماني والكون ظهورها في العماء فبما هو للنفس يسمى كلمة وأمر أو بما هو في العماء يسمى كونا وخلقا وظهور عين فجاء بلفظة كن لأنها لفظة وجودية فنابت مناب جميع الأوامر الإلهية كما نابت الفاء والعين واللام الذي هو فعل في الأوزان مناب جميع الأوزان
(٤٢٣)