(الفصل الثامن عشر) في الاسم إلهي الشكور وتوجهه على إيجاد الكرسي والقدمين ومن الحروف حرف الكاف ومن المنازل النثرة قال تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض قال بعض أهل المعاني يريد العلم ونقلوه لغة إلا أنه في هذه الآية ليس إلا جسم محسوس هو في العرش كحلقة ملقاة في فلاة إلا أنه كالعرش لا حركة فيه ومن هذا الكرسي تنقسم الكلمة الإلهية إلى حكم وخبر وهو للقدمين الواردين في الخبر كالعرش لاستواء الرحمن وله ملائكة قائمون به لا يعرفون إلا الرب تعالى فإن ظرفية العماء للرب والعرش للرحمن والكرسي لضمير الكناية عن الله تعالى وهذه الثلاثة الأسماء هي أمهات الأسماء وإذا تتبعت القرآن العزيز وجدت هذه الأسماء الثلاثة الله والرب والرحمن دائرة فيه وله ما بين سماء وسماء كرسي سوى هذا الكرسي الأعظم وسمي منسوبا أي لا يعقل إلا هكذا بخلاف غيره من الموجودات ومن هنا كان للرب الذي لا يعقل إلا مضافا وغيره الذي هو الاسم الله والرحمن قد ورد غير مضاف إلا الرب فلا يرد حيث ورد إلا مضافا فإنه يطلب المربوب بذاته ربنا ربكم ورب آبائكم رب السماوات رب المشرق فأثرت هذه الحقيقة في المرتبة المكانية الذي هو الكرسي فورد منسوبا والنسبة إضافة وجاء في الدرجة الثالثة وهي أول الأفراد ولما كان الرب الثابت فكذلك الكرسي حكم عليه الاسم الإلهي بالثبوت فالثبوت أيضا الموصوف به العرش يؤذن بأن الاسم الرحمن ثابت الحكم في كل ما يحوي عليه وهو قوله ورحمتي وسعت كل شئ فمال الكل إلى الرحمة وإن تخلل الأمر آلام وعذاب وعلل وأمراض مع حكم الاسم الرحمن فإنما هي أعراض عرضت في الأكوان دنيا وآخرة من أجل أن الرحمن له الأسماء الحسنى ومن الأسماء الضار والمذل والمميت فلهذا ظهر في العالم ما لا تقتضيه الرحمة ولكن لعوارض وفي طي تلك العوارض رحمة ولو لم يكن إلا تضاعف النعيم والراحة عقيب زوال حكمه ولهذا قيل أحلى من الأمن عند الخائف الوجل فما تعرف لذات النعم إلا بأضدادها فوضعت لاقتناء العلوم التي فيها شرف الإنسان فكانت كالطريق الموصلة أو الدليل الموصل إلى مدلوله ذوقا وحصول العلم بالأذواق أتم منه بطريق الخبر ألا ترى الحق وصف نفسه على ألسنة رسله بالغضب والرضاء ومن هاتين الحقيقتين ظهر في العالم اكتساب العلوم من الأذواق الظاهرة كالطعوم وأشباهها والباطنة كالآلام من الهموم والغموم مع سلامة الأعضاء الظاهرة من كل سبب يؤدي إلى ألم فانظر ما أعجب هذا فثبت العرش لثبوت الرحمة السارية التي وسعت كل شئ فلها الإحاطة وهي عين النفس الرحماني فبه ينفس الله كل كرب في خلقه فإن الضيق الذي يطرأ أو يجده العالم كونه أصلهم في القبضة وكل مقبوض عليه محصور وكل محصور محجور عليه والإنسان لما وجد على الصورة لم يحتمل التحجير فنفس الله عنه بهذا النفس الرحماني ما يجده من ذلك كما كان تنفسه من حكم الحب الذي وصف به نفسه في قوله أحببت أن أعرف فأظهره في النفس الرحماني فكان ذلك التنفس الإلهي عين وجود العالم فعرفه العالم كما أراد فعين العالم عين الرحمة لا غيرها فاشحذ فؤادك فما يكون العالم رحمة للحق ويكون الحق يسرمد عليه الألم ألله أكرم وأجل من ذلك فانظر ما أعجب ما أعطاه مقام الكرسي من انقسام الكلمة الإلهية فظهر الحق والخلق ولم يكن يتميز لولا الكرسي الذي هو موضع القدمين الواردتين في الخبر وعن هذا الاسم وجد في النفس الإنساني حرف الكاف وفي فلك المنازل منزلة النثرة لما وجد فلكها (الفصل التاسع عشر) في الاسم الغني وتوجهه على إيجاد الفلك الأطلس وهو فلك البروج واستعانته بالاسم الدهر وإيجاد حرف الجيم من الحروف والطرف من المنازل اعلم أن هذا الاسم جعل هذا الفلك أطلس لا كوكب فيه متماثل الأجزاء مستدير الشكل لا تعرف لحركته بداية ولا نهاية وما له طرف بوجوده حدثت الأيام السبعة والشهور والسنون ولكن ما تعينت هذه الأزمنة فيه إلا بعد ما خلق الله في جوفه من العلامات التي ميزت هذه الأزمنة وما عين منها هذا الفلك سوى يوم واحد وهي دورة واحدة عينها مكان القدم من الكرسي فتعينت من أعلى فذلك القدر يسمى يوما وما عرف هذا اليوم إلا الله تعالى لتماثل أجزاء هذا الفلك وأول ابتداء حركته وكان ابتداء حركته وأول درجة من برج الجوزاء يقابل هذا القدم وهو من البروج الهوائية فأول يوم في العالم ظهر كان بأول درجة من الجوزاء ويسمى ذلك اليوم الأحد فلما انتهى ذلك الجزء المعين عند الله من هذا الفلك إلى مقارنة ذلك القدم من الكرسي
(٤٣٧)