وجميع الموزونات من الأسماء والأفعال فهي حروف وزن الكلمة ووزن عين الموجود فكن قامت مقام قل وقم وخذ وقص واخرج وادخل واقترب وجميع ما يقع به الأمر فيكون إن كان أمر قيام فقيام وإن كان أمر قعود فقعود إلى جميع الأعيان فتحدث الكلمة في النفس فيحدث الكون في العماء على الميزان صلة في ذلك وهذه الصلة في أنواع ما يحدثه التدبير على الانفراد وبالمشورة في الكون فأما ما يحدث من ذلك على الانفراد وهو إذا حكم على المدبر اسمان إلهيان أو خاطران في حق أصحاب الخواطر وهو في الإلهيات التردد ولا يخلو هذا المدبر في هذه الحال وغيرها من الأحوال أن يكون تحت حكم اسم إلهي من الأسماء السبعة المتحكمة في النفس وما يظهر فيه من الكلمات وهو الاسم الجامع والنافع والعاصم وهو الواقي والسريع والستار وهذه الخمسة الأسماء هي التي تعطي مقام العبودية في العالم والاسم البصير والبارئ وهما اللذان يعطيان مقام الحرية في الاسم الجامع فمنه يكون الإمداد لأهل الفضائل وهم الذين يثابرون على مكارم الأخلاق ومن هذا الاسم قال رسول الله ص بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ويمد أيضا أهل الجمع والوجود والحماية وترك المؤاخذة بالجرائم فيذبون عن أصحابها ما يريد بهم الاسم المنتقم والمعاقب فهو معطي الأمان وهو قوله تعالى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وفعله أبدا لا يكون إلا فيمن هو في مقام العبودية وأما الاسم الإلهي النافع فمنه يكون الإمداد للعلماء بالله على مراتبهم وأكثر ما يكون إمداده فيهم في علماء الأرواح وهو قوله تعالى أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا أي نور هداية ويمد أيضا أهل الجود من أصناف الكرماء خاصة وهم الذين يجودون بالعطاء قبل السؤال من كل ما يقع به المنفعة للمعطي إياه وهو مختص العطاء وإمداد هذا الاسم بالذين أقامهم الله في مقام العبودية والعبودة فإن رجال الله على إحدى حالتين إما حال عبودية أو حال حرية وقد تقدم لك باب العبودية وباب الحرية في هذا الكتاب وأما الاسم الواقي فهو الاسم العاصم من أمر الله فمنه يكون الإمداد للصديقين وأصحاب الأسرار وأهل النظر والأفكار في مباحثهم في المناظرات لاستخراج الفوائد في مجالس أهل الله من غير منازعة ولا يمد هذا الاسم إلا لأرباب مقام العبودية وأهل الاستكفاء بالله وهم المتوكلون على الله توكل العبد على سيده لا توكل الابن على أبيه ولا الميت على غاسله ولا الأجير على من آجره ولا توكل الموكل على وكيله وأما الاسم السريع فإنه مثل الواقي في أنه لا يمد إلا أهل هذا التوكل الخاص ومن هو في مقام العبودية ويكون إمداده للمنفقين بالخلف وهو قوله تعالى وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه ويمد أيضا أهل البقاء لأهل الفناء وعنه يأخذون وإليه يلجئون وأما الاسم الستار وهو الغفار والغفور والغافر فهو في الإمداد مثل السريع والواقي في العبد والمتوكلين ومن هذا الاسم يكون الإمداد لأهل الاكتساب والقائلين بالأسباب مع الاعتماد على الله غير أنهم وإن اعتمدوا على الله فما في ظاهرهم الاكتفاء بالله وهكذا كل ذي سبب وإن كان من المتوكلين فما كل متوكل يظهر منه الاكتفاء بالله في ظاهره وهذا الاسم يمد أيضا أصحاب المنازل والمنازلات ولهم أبواب في هذا الكتاب نحوا من مائتي باب ترد فيما بعد إن شاء الله وأما الاسم الباري فمنه يكون الإمداد للأذكياء المهندسين أصحاب الاستنباطات والمخترعين الصنائع والواضعين الأشكال الغريبة عن هذا الاسم يأخذون وهو الممد للمصورين في حسن الصورة في الميزان وأعجب ما رأيت من ذلك في قونية من بلاد يونان في مصور كان عندنا اختبرناه وأفدناه في صنعته من صحة التخيل ما لم يكن عنده فصور يوما حجلة وأخفى فيها عيبا لا يشعر به وجاء بها إلينا ليختبرنا في ميزان التصوير وكان قد صورها في طبق كبير على مقدار صورة الحجلة في الجرم وكان عندنا بازي فعند ما أبصرها أطلقه من كان في يده عليها فركضها برجله لما تخيل أنها حجلة في صورتها وألوان ريشها فتعجب الحاضرون من حسن صنعته فقال لي ما تقول في هذه الصورة فقلت له هي على غاية التمام إلا أن فيها عيبا خفيا وكان قد ذكره للحاضرين فيما بينه وبينهم فقال لي وما هو هذه أوزانها صحيحة قلت له في رجليها من الطول عن موازنة الصورة قدر عرض شعيرة فقام وقبل رأسي وقال بالقصد فعلت ذلك لأجربك فصدقه الحاضرون وقالوا إنه ذكر ذلك لهم قبل أن يوقفني عليها فتعجبت من وقوع البازي عليها وطلبه إياها ويمد أيضا هذا الاسم أرباب الجود في وقت المسغبة خاصة لا المنفقين على الإطلاق من غير تقييد وهذا
(٤٢٤)