السعادة فلما ضعف الوسط وتقوى الطرفان غلب في آخر الأمر وامتلأت الدار إن وجعل في كل واحدة منهما نعيما لأهلها يتنعمون به بعد ما طهرهم الله بما نالوه من العذاب لينالوا النعيم على طهارة ألا ترى المقتول قودا كيف يطهره ذلك القتل من ظلم القتل الذي قتل من قتل به فالسيف محاء وكذلك إقامة الحدود في الدنيا كلها تطهير للمؤمنين حتى قرصة البرغوث والشوكة يشاكها وثم طائفة أخرى تقام عليهم حدود الآخرة في النار ليتطهروا ثم يرحمون في النار لما سبق من عناية المحبة وإن لم تخرجوا من النار فحب الله عباده لا يتصف بالبدء ولا بالغاية فإنه لا يقبل الحوادث ولا العوارض لكن عين محبته لعباده عين مبدأ كونهم متقدميهم ومتأخريهم إلى ما لا نهاية له فنسبة حب الله لهم نسبة كينونته كانت معهم أينما كانوا في حال عدمهم وفي حال وجودهم فكما هو معهم في حال وجودهم هو معهم في حال عدمهم لأنهم معلومون له مشاهد لهم محب فيهم لم يزل ولا يزال لم يتجدد عليه حكم لم يكن عليه بل لم يزل محبا خلقه كما لم يزل عالما بهم فقوله فأحببت أن أعرف تعريفا لنا مما كان الأمر عليه في نفسه كل ذلك كما لا يليق بجلاله لا يعقل تعالى إلا فاعلا خالقا وكل عين فكانت معدومة لعينها معلومة له محبوبا له إيجادها ثم أحدث له الوجود بل أحدث فيها الوجود بل كساها حلة الوجود فكانت هي ثم الأخرى ثم الأخرى على التوالي والتتابع من أول موجود المستند إلى أولية الحق وما ثم موجود آخر بل وجود مستمر في الأشخاص فالآخر في الأجناس والأنواع وليس الأشخاص في المخلوقات إلا في نوع خاص متناهية في الآخرة وإن كانت الدنيا متناهية فالأكوان جديدة لا نهاية لتكوينها لأن الممكنات لا نهاية لها فأبدها دائم كما الأزل في حق الحق ثابت لازم فلا أول لوجوده فلا أول لمحبته عباده سبحانه ذكر المحبة يحدث عند المحبوب عند التعريف الإلهي لا نفس المحبة القرآن كلام الله لم يزل متكلما ومع هذا قال معرفا ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فحدث عندنا الذكر لا في نفسه من سيدنا ومالكنا ومصلحنا ومغذينا وما يأتينا من ذكر من الرحمن محدث فحدث عندنا الذكر من الرحمن لا في نفسه فالرحمة والنعمة والإحسان في البدء والعاقبة والمال ولم يجر لاسم من أسماء الشقاء ذكر في الإتيان إنما هو رب أو رحمن ليعلمكم ما في نفسه لكم (تكملة في الحب الإلهي) وهي كوننا نحب الله فإن الله يقول يحبهم ويحبونه ونسبة الحب إلينا ما هو نسبة الحب إليه والحب المنسوب إلينا من حيث ما تعطيه حقيقتنا ينقسم قسمين قسم يقال فيه حب روحاني والآخر حب طبيعي وحبنا الله تالي بالحبين معا وهي مسألة صعبة التصور إذ ما كل نفس ترزق العلم بالأمور على ما هي عليه ولا نرزق الايمان بها على وفق ما جاء من الله في إخباره عنه ولذلك أمتن الله بمثل هذا على نبيه ص فقال وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فنحن بحمد الله ممن شاء من عباده وما بقي لنا بعد التقسيم في حبنا إياه إلا أربعة أقسام وهي إما أن نحبه له أو نحبه لأنفسنا أو نحبه للمجموع أو نحبه ولا لواحد مما ذكرناه وهنا يحدث نظر آخر وهو لما ذا نحبه إذ وقد ثبت إنا نحبه فلا نحبه له ولا لأنفسنا ولا للمجموع فما هو هذا الأمر الرابع هذا فصل وثم تقسيم آخر وهو وإن أحببناه فهل نحبه بنا أو نحبه به أو نحبه بالمجموع أو نحبه ولا بشئ مما ذكرناه وكل هذا يقع الشرح فيه والكلام عليه إن شاء الله وكذلك نذكر في هذه التكملة ما بدء حبنا إياه وهل لهذا الحب غاية فيه ينتهي إليها أم لا فإن كانت له غاية فما تلك الغاية وهذه مسألة ما سألني عنها أحد إلا امرأة لطيفة من أهل هذا الشأن ثم نذكر أيضا إن شاء الله هل الحب صفة نفسية في المحب أو معنى زائد على ذاته وجودي أو هو نسبة بين المحب والمحبوب لا وجود لها كل ذلك تحتاج إليه هذه التكملة فاعلم إن الحب لا يقبل الاشتراك ولكن إذا كانت ذات المحب واحدة لا تنقسم فإن كانت مركبة جاز أن يتعلق حبها بوجوه مختلفة ولكن لأمور مختلفة وإن كانت العين المنسوب إليها تلك الأمور المختلفة واحدة أو تكون تلك الأمور في كثيرين فيه فتتعلق المحبة بكثيرين فيحب الإنسان محبوبين كثيرين وإذا صح أن يحب المحب أكثر من واحد جاز أن يحب الكثير كما قال أمير المؤمنين ملك الثلاث الآنسات عناني * وحللن من قلبي بكل مكان
(٣٢٩)