الأذلاء ولهذا وصفت الأرض بأنها ذلول على طريق المبالغة لكون الأذلاء يطؤنها ولما لازم الحب قلوب المحبين والشوق قلوب المشتاقين والأرق نفوس الأرقين وكل صفة للحب موصوفها منه سمي صاحب هذه الملازمات كلها مغرما وسميت صفته غراما فهو اسم يعم جميع ما يلزم المحب من صفة الحب فليس للمحب صفة أعظم إحاطة من الغرام ومن نعوت المحبين الشوق وهو حركة روحانية إلى لقاء المحبوب وحركة طبيعية جسمانية حسية إلى لقاء المحبوب إذا كان من شكله ذلك المحبوب فإذا لقيه أي محبوب كان فإنه يجد سكونا في حركة فيتحير لما ذا ترجع تلك الحركة مع وجود اللقاء ويراها تتزيد ويدركه معها خوف في حال الوصلة فيجد الخوف متعلقة توقع الفرقة ويجد الحركة الاستياقية تطلب استدامة حالة الوصلة ولذلك يهيج باللقاء كما قيل في الشوق وأبرح ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الديار من الديار وقال الآخر فيما ذكرناه من الخوف في حال الوصلة وأبكي إن ناؤا شوقا إليهم * وأبكي إن دنوا خوف الفراق هذا جزاء من أحب غير عينه وجعل وجود عين محبوبه فيما هو خارج عنه فلو أحب الله لم تكن هذه حالته فمحب الله لا يخاف فرقة وكيف يفارق الشئ لازمه وهو في قبضته لا يبرح وبحيث يراه محبوبه وهو أقرب إليه من حبل الوريد وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أين الفراق وما في الكون إلا هو يقول الله تعالى من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا الحديث فهكذا ينبغي أن تعرف يا أخي قدر من أحبك لله أو لنفسه إذا كان الحق مع غناه عن العالم إذا أحبه عبده سارع إليه بالوصلة وقربه وأدنى مجلسه وجعله من خواص جلسائه فأنت أولى بهذه الصفة إذا أحبك شخص فقد أعطاك السيادة عليه وجعل نفسه محلا لتحكمك فيه فينبغي لك إن كنت عاقلا أن تعرف قدر الحب وقدر من أحبك ولتسارع إلى وصلته تخلقا بأخلاق الله مع محبته فإنه من بدأك بالمحبة فتلك يدله عليك لا تكافئها أبدا وذلك لأن كل ما يفعله من الحب بعد ابتدائه معه فإنما هو نتيجة عن ذلك الحب الذي أحبك ابتداء ومن نعوت المحبين الهيام وهم المهيمون الذين يهيمون على وجوههم من غير قصد جهة مخصوصة والمحبون لله أولى بهذه الصفة فإن الذي يحب المخلوق إذا هام على وجهه فهو لقلقه ويأسه من مواصلة محبوبه ومحب الله متيقن بالوصلة وقد علم أنه سبحانه لا يتقيد ولا يختص بمكان يقصد فيه لأن حقيقة الحق تأبى ذلك ولذلك قال فأينما تولوا فثم وجه الله وقال وهو معكم أينما كنتم بمحبة مهيم في كل واد وفي كل حال لأن محبوبه الحق فلا يقصده في وجه معين بل يتجلى له في أي قصد قصده على أي حالة كان فهم أحق بصفة الهيمان من محبي المخلوقين فهو تعالى المشهود عند المحبين من كل عين والمذكور بكل لسان والمسموع من كل متكلم هكذا عرفه العارفون وبهذه الحقيقة تجلى للمحبين ومن نعوت المحبين الزفرات وهي نار نور محرقة يضيق القلب عن حملها فتخرج منضغطة لتراكمها مما يجده المحب من الكمد فيسمع لخروجها صوت تنفس شديد الحرارة كما يسمع لصوت النار صوت يسمى ذلك الصوت زفرة ولا يكون ذلك إلا في الجسم الطبيعي خاصة وقد يكون في الصورة المتجسدة ولهذا تتصف الصورة المتجسدة عن المعنى المجرد إذا ظهر فيها وقيل هذه صورته بالغضب والرضي كالأجسام الطبيعية كما قال ص عن نفسه إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر وأرضى كما يرضى البشر وإذا كان الجناب الإلهي الذي ليس كمثله شئ قد وصف نفسه بالرضى والغضب في هاتين الصفتين وفي أمثالهما مما وصف الحق بها نفسه ومن تلك الحقيقة ظهرت في العالم ولهذا قلنا إن الله سبحانه علمه بنفسه علمه بالعالم لا يكون إلا هكذا فكل حقيقة ظهرت في العالم وصفة فلها أصل إلهي ترجع إليه لولا ذلك الأصل الإلهي يحفظ عليها وجودها ما وجدت ولا بقيت ولا يعلم ذلك إلا الآحاد من أهل الله فإنه علم خصوص قال تعالى وغضب الله عليه ثم ورد في الخبر ما هو أشد من هذا لمن عقل عن الله وهو ما ورد في الحديث الصحيح من قول الأنبياء في القيامة أن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله فهذا أشد من ذلك حيث اتصف غضبه بالحدوث والزوال وفي ذلك المقام يقول محمد ص فيمن بدل من أصحابه بعده سحقا سحقا لاقتضاء الحال والموطن فإن صاحب السياسة
(٣٤٠)