فيظهره صورة من خارج يشاهدها فيحصل له مقصوده ونعيمه بها من غير زمان كما تقدم في ذكر وجود العماء فتممنا وقلنا بعد هذا في القصيدة عينها تعجبت من رحمة الله بي * ومن مثل ذا ينبغي تعجبوا زمان الوداد زمان الوجود * زمان الوصال كلوا واشربوا فأين الغرام وأين السقام * وأين الهيام إلا فأعجبوا مطهرة الثوب محجوبة * فليست إلى أحد تنسب فإن المحبوب كما قلنا لا بد أن يكون معدوما وفي حال عدمه فهو طاهر الثوب في أول ما يوجد لأنه ما اكتسب منه مما يشينه ويدنسه في أول ظهوره ووجوده فالأصل الطهارة وهو قوله كل مولود يولد على الفطرة وهي الطهارة وقولنا محجوبة هو عدمها الذي قلنا من شهود الوجود وقولنا فليست إلى أحد تنسب لأن المعدوم لا ينسب ولكن المحب يطلبه لنفسه ثم تممنا فقلنا وهو آخر القصيدة فقد وجب الشكر لله إذ * هي البكر لي وأنا الثيب لأن المحبوب وجد عن عدم فهو بكر وقد كنت أحببت قبل ذلك فإنا ثيب فإذا كان المحبوب الذي هو المعدوم إذا وجد لا يوجد في موجود يتصف بالإرادة لم يتصف هذا المحب بأنه يريده له فيحبه لنفسه بالضرورة كالحب الطبيعي فإذا كان المحبوب لا يوجد إلا في موجود متصف بالإرادة كالحق تعالى أو جارية أو غلام وما ثم من يتعلق به حب المحب إلا من ذكرناه فحينئذ يصح أن يحب ما يحب هذا الموجود الذي لا يوجد محبوبه إلا فيه فإن اتفق أن يكون ذلك لا يريد ما أحب هذا المحب بقي المحب على أصله في محبته محبوبه لأن محبوبه ما له إرادة كما قلنا فلا يلزم من هذا أن يحب ما أحب هذا الموجود الذي لا يحب ما يحبه هذا المحب إذ كان ذلك الموجود ما هو عين المحبوب وإنما هو محل لوجود ذلك المحبوب وليس في قوة المحب إيجاد ذلك المحبوب في هذا الموجود إلا إن أمكنه من نفسه وأما إن كان المحبوب ممن لا يكون وجوده في موجود فلا يتمكن له إيجاد المحبوب ألبتة إلا أن تقوم من الحق به عناية فيعطيه التكوين كعيسى ع ومن شاء الله من عباده فإذا أعطى هذا فبالضرورة يحمله الحب على إيجاد محبوبه وهذه مسألة لا تجدها محققة على ما ذكرناه فيها في غير هذا الكتاب لأني ما رأيت أحدا حقق فيها ما ذكرناه وإن كان المحبون كثيرين بل كل من في الوجود محب ولكن لا يعرف متعلق حبه وينحجبون بالموجود الذي يوجد محبوبه فيه فيتخيلون أن ذلك الموجود محبوبهم وهو على الحقيقة بحكم التبعية فعلى الحقيقة لا يحب أحد محبوبا لنفس المحبوب وإنما يحبه لنفسه هذا هو التحقيق فإن المعدوم لا يتصف بالإرادة فيحبه المحب له ويترك إرادته لإرادة محبوبه ولما لم يكن الأمر في نفسه على هذا لم يبق إلا أن يحبه لنفسه فافهم فهذا هو الحب الروحاني المجرد عن الصورة الطبيعية فإن تلبس بها وظهر فيها كما قلنا في الحب الإلهي وهو في الروحاني أقرب نسبة لأنه على كل حال صورة من صور العالم وإن كان فوق الطبيعة فاعلم أنه إذا قبل الروح الصورة الطبيعية في الأجساد المتخيلة لا في الأجسام المحسوسة التي جرت العادة بإدراكها فإن الأجساد المتخيلة أيضا معتادة الإدراك لكن ما كل من يشهدها يفرق بينها وبين الأجسام الحقيقية عندهم ولهذا لم يعرف الصحابة جبريل حين نزل في صورة أعرابي وما علمت أن ذلك جسد متخيل حتى عرفهم النبي ص لما قال لهم هذا جبريل ولم يقم بنفسهم شك أنه عربي وكذلك مريم حين تمثل لها الملك بشرا سويا لأنه ما كانت عندها علامة في الأرواح إذا تجسدت وكذا يظهر الحق لعباده يوم القيامة فيتعوذون منه لعدم معرفتهم به فكان الحكم في الجناب الإلهي والروحاني في الصور سواء في حق المتجلي له من الجهل به فلا بد لمن اعتنى الله به من علامة بها يعرف تجلى الحق من تجلى الملك من تجلى الجان من تجلى البشر إذا أعطوا قوة الظهور في الصور كقضيب ألبان وأمثاله فإذا كان البشر بهذه النشأة الترابية العنصرية له قوة التحول في الصور في عين الرائي وهو على صورته فهذا التحول في الأرواح أقرب فاعلم من ترى وبما ذا ترى وما هو الأمر عليه وقد بينا ذلك في باب المعرفة في علم الخيال فانظره هناك فإذا
(٣٣٣)