بالمحبوب لا يشبع من مشاهدته ولا يأخذ نهمته منا لأنه كلما نظر إليه زاد وجدا به وشوقا مع حضوره معه كما قيل ومن عجب إني أحن إليهم * وأسأل شوقا عنهم وهم معي وتبكيهم عيني وهم في سوادها * وتشتاقهم نفسي وهم بين أضلعي وكل حب يبقى في المحب عقلا يعقل به عن غير محبوبه أو تعقلا فليس بحب خالص وإنما هو حديث نفس قال بعضهم ولا خير في حب يدبر بالعقل وحكايات المحبين في هذا الباب أكثر من أن تحصى ولنا في ازدياد المحبة مع المشاهدة والشوق أغيب فيفني الشوق نفسي فالتقى * فلا أشتفي فالشوق غيبا ومحضرا ويحدث لي لقياه ما لم أظنه * مكان الشفا داء من الوجد آخرا لأني أرى شخصا يزيد جماله * إذا ما التقيناه نحوة وتكيرا فلا بد من وجد يكون مقارنا * لما زاد من حسن نظاما محررا أشير إلى تجليه سبحانه في صور مختلفة في الآخرة لعباده وفي الدنيا لقلوب عباده كما ورد في صحيح مسلم من تحوله سبحانه في الصور كما ينبغي لذاته من غير تشبيه ولا تكييف فوالله لولا الشريعة التي جاءت بالأخبار الإلهي ما عرف الله أحد ولو بقينا مع الأدلة العقلية التي دلت في زعم العقلاء على العلم بذاته بأنه ليس كذا وليس كذا ما أحبه مخلوق فلما جاء الخبر الإلهي بالسنة الشرائع بأنه سبحانه كذا وأنه كذا من أمور تناقض ظواهرها الأدلة العقلية أحببناه لهذه الصفات الثبوتية ثم بعد أن أوقع النسب وثبت السبب والنسب الموجبات للمحبة قال ليس كمثله شئ فثبت الأسباب الموجبة للحب التي نفاها العقل بدليله وهذا معنى قوله فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فعرفوني فما يعرف الله إلا بما أخبر به عن نفسه من حبه إيانا ورحمته بنا ورأفته وشفقته وتحببه ونزوله في التحديد لمثله تعالى ونجعله نصب أعيننا في قلوبنا وفي قبلتنا وفي خيالنا حتى كأنا نراه لا بل نراه فينا لأنا عرفناه بتعريفه لا بنظرنا ومنا من يراه ويجهله فكما أنه لا يفتقر إلى غيره كذلك والله لا يحب في الموجودات غيره فهو الظاهر في كل محبوب لعين كل محب وما في الموجود إلا محب فالعالم كله محب ومحبوب وكل ذلك راجع إليه كما أنه لم يعبد سواه فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه ولولاها ما عبد يقول تعالى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وكذلك الحب ما أحب أحد غير خالقه ولكن احتجب عنه تعالى بحب زينب وسعاد وهند وليلى والدنيا والدرهم والجاه وكل محبوب في العالم فأفنت الشعراء كلامها في الموجودات وهم لا يعلمون والعارفون لم يسمعوا شعرا ولا لغزا ولا مديحا ولا تغزلا إلا فيه من خلف حجاب الصور وسبب ذلك الغيرة الإلهية أن يحب سواه فإن الحب سببه الجمال وهو له لأن الجمال محبوب لذاته والله جميل يحب الجمال فيحب نفسه وسببه الآخر الإحسان وما ثم إحسان إلا من الله ولا محسن إلا الله فإن أحببت للإحسان فما أحببت إلا الله فإنه المحسن وإن أحببت للجمال فما أحببت إلا الله تعالى فإنه الجميل فعلى كل وجه ما متعلق المحبة إلا الله ولما علم الحق نفسه فعلم العالم من نفسه فأخرجه علم صورته فكان له مرآة يرى صورته فيه فما أحب سوى نفسه فقوله يحببكم الله على الحقيقة نفسه أحب إذ الاتباع سبب الحب واتباعه صورته في مرآة العالم سبب الحب لأنه لا يرى سوى نفسه وسبب الحب النوافل وهي الزيادات وصورة العالم زيادة في الوجود فأحب العالم نافلة فكان سمعه وبصره حتى لا يحب سوى نفسه وما أغمضها من مسألة وما أسرع تفلتها من الوهم فإنه اتفق في الوجود أمر غريب وذلك أن ثم أمورا يتحقق بها العقل ويثبت عليها ولا يتزلزل وتتفلت من الوهم ولا يقدر يبقى على ضبطها مثل هذه المسألة يثبتها العقل ولا يقدر يزول عنها وتتفلت من الوهم ولا يقدر على ضبطها وثم أمور أخر بالعكس تتفلت من العقل وتثبت في الوهم ويحكم عليها ويؤثر فيها كمن يعطيه العقل بدليله أن رزقه لا بد أن يأتيه سعى إليه أو لم يسع فيتفلت هذا العلم عن العقل ويحكم عليه الوهم بسلطانه إنك إن لم تسع في طلبه تموت فيغلب عليه فيقوم يتعمل في تحصيله فحقه من جهة عقله زائل وباطله من جهة وهمه ثابت لا يتزلزل وكمن يرى حية أو أسدا على صورة لا يتمكن فيما يغطيه العقل أن يصل ضرره إليه فيغيب عن ذلك الدليل ويتوهم ضرره فينفر منه
(٣٢٦)