تجلى الروح في صورة طبيعية مشى الحكم عليها كما ذكرناه في الحب الإلهي سواء من حيث قبول تلك الصورة للظاهر والباطن لا تعدل عن ذلك المجرى فاعلم ذلك فيجمع الروحاني بين الحب الطبيعي والروحاني وبين الحب لنفسه ولمحبوبه إن كان محبوبه كما قلنا ذا إرادة ويتبين لك بما قررناه أن الناس لا يعرفون ما يحبون وأنه يندرج محبوبهم في موجود ما فيتخيلون أنهم يحبون ذلك الموجود وليس كذلك فاعلم قدر ما أعلمتك به واشكر الله حيث خلصك من الجهل بي وهذا القدر كاف في الغرض المقصود فإن فيه تفاريع كثيرة وغرضنا في هذا الكتاب تحصيل الأصول والحمد لله (الوصل الثالث) في الحب الطبيعي وهو نوعان طبيعي وعنصري ونسينا أن تذكر غاية الحب الروحاني فلنذكره في الحب الطبيعي لتعلقه بالصورة الطبيعية فغايته الاتحاد وهو أن تصير ذات المحبوب عين ذات المحب وذات المحب عين ذات المحبوب وهو الذي تشير إليه الحلولية ولا علم لها بصورة الأمر فاعلم أن الصورة الطبيعية على أي حال كان ظهورها جسما أو جسدا بأي نسبة كانت فإن المحبوب الذي هو المعدوم وإن كان معدوما فإنه ممثل في الخيال فله ضرب من ضروب الوجود المدرك بالبصر الخيالي في الحضرة الخيالية بالعين الذي تليق بها فإذا تعانق الحبيبان وامتص كل واحد منهما ريق صاحبه وتحلل ذلك الريق في ذات كل واحد من الحبيبين وتنفس كل واحد من الصورتين عند التقبيل والعناق فخرج نفس هذا فدخل في جوف هذا ونفس هذا في جوف هذا وليس الروح الحيواني في الصور الطبيعية سوى ذلك النفس وكل نفس فهو روح كل واحد من المتنفسين وقد حيي به من قبله في حال التنفيس والتقبيل فصار ما كان روحا لزيد هو بعينه يكون روحا لعمرو وقد كان ذلك النفس خرج من محب فتشكل بصورة حب فصحبته لذة المحبة فلما صار روحا في هذا الذي انتقل إليه وصار نفس الآخر روحا في هذا الآخر عبر عن ذلك بالاتحاد في حق كل واحد من الشخصين وصح له أن يقول أنا من أهوى ومن أهوى أنا وهذا غاية الحب الروحاني في الصور الطبيعية وهو قوله في القصيدة في أول هذا الباب روحا بروح وجثمانا بجثمان ثم نرجع إلى الحب الطبيعي فنقول إن الحب الطبيعي هو العام فإن كل ما تقدم من الحب في الموصوفين به قبلوا الصور الطبيعية على ما تعطيه حقائقهم فاتصفوا في حبهم بما تتصف به الصور الطبيعية من الوجد والشوق والاشتياق وحب اللقاء بالمحبوب ورؤيته والاتصال به وقد وردت أخبار كثيرة صحاح في ذلك يجب الايمان بها مثل قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه مع كونه ما زال من عينه ولا يصح أن يزول عن عينه فإنه على كل شئ شهيد ورقيب ومع هذا فجاء باللقاء في حقه وفي حق عبده ووصف نفسه بالشوق إلى عباده وأنه أشد فرحا ومحبة في توبة عبده من الذي ضلت راحلته عليها طعامه وشرابه في أرض دوية ثم يجدها بعد ما يئس من الحياة وأيقن بالموت فكيف يكون فرحه بها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الشخص براحلته مع غناه سبحانه وقدرته ونفوذ إرادته في عباده ولكن انظر في سر قوله أعطى كل شئ خلقه فتعلم أنه ما تعدى بالأمور استحقاقها وأن مرتبة العلم ما فوقها مرتبة وقد قال ما يبدل القول لدي لأنه خلاف المعلوم فوقوعه محال فالأمر وإن كان ممكنا بالنظر إليه فليس بممكن بالنظر إلى علم الله فيه بوقوع أحد الإمكانين وأحدية المشيئة فيه وما تعلقت المشيئة الإلهية بكونه فلا بد من كونه وما لا بد من وقوعه لا يتصف بالإمكان بالنظر إلى هذه الحقيقة ولهذا عدل من عدل من الناظرين في هذا الشأن من إطلاق اسم الممكن عليه إلى اسم الواجب الوجود بالغير وهو أولى في التحقيق لأحدية المشيئة ولهذا قال ولو شاء حيث ما قاله ولو حرف امتناع لامتناع فقد سبقت المشيئة بما سبقت كما قال ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين فكان اسم وجوب الوجود بالغير أكمل في نسبة الأمر من اسم الممكن إذ ما ثم إلا أمر واحد كلمح بالبصر فزال الاحتمال فزال الإمكان فما ثم إلا وجوب مطلق أو وجوب مقيد ثم نرجع ونقول اعلم أن الحب الطبيعي من ذاته إذا قام بالمحب أن لا يحب المحبوب إلا لما له فيه من النعيم به واللذة فيحبه لنفسه لا لعين المحبوب وقد تبين لك فيما تقدم أن هذه الحقيقة سارية في الحب الإلهي والروحاني فأما بدء الحب الطبيعي فما هو للانعام والإحسان فإن الطبع لا يعرف ذلك جملة واحدة وإنما يحب الأشياء لذاته خاصة فيريد الاتصال بها والدنو منها وهو سار في كل حيوان وهو في الإنسان بما هو حيوان فيحبه الحيوان في نفس الأمر لقوام وجوده
(٣٣٤)