وإن من شئ إلا يسبح بحمده أي بالثناء عليه بما هو عليه وما يكون منه وعرفنا أيضا فقال ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه فلزم ذلك وثابر عليه وخاطب بهذه الآية نبيه ص الذي أشهده ذلك ورآه فقال له ألم تر ولم يقل ألم تروا فإنا ما رأينا فهو لنا إيمان وهو لمحمد ص عيان وكذا قال له أيضا لما أشهده سجود كل شئ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس فما ترك أحدا فإنه ذكر من في السماوات ومن في الأرض فذكر العالم العلوي والسفلي فأشهده سجود كل شئ فكل من أشهده الله ذلك ورآه دخل تحت هذا الخطاب وهذا تسبيح فطري ذاتي عن تجل تجلى لهم فأحبوه فانبعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي وهذه هي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الذي يستحقه وكذلك قال في أهل الكشف وهم عامة الإنس وكل عاقل أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجد الله وهم داخرون هذا حظ النعيم البصري ثم أخبر أن ذلك التفيئ يمينا وشمالا أنه سجود لله وصغار وذلة لجلاله فقال سجد الله وهم داخرون فوصفهم بعقليتهم أنفسهم حتى سجدوا لله داخرين ثم أخبر فقال متمما ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة أي ممن يدب عليها يقول يمشي وهم يعني أهل السماوات والملائكة يعني التي ليست في سماء ولا أرض ثم قال وهم لا يستكبرون يعني عن عبادة ربهم ثم وصفهم بالخوف ليعلمنا أنهم عالمون بمن سجدوا له ثم وصف المأمورين منهم إنهم يفعلون ما يؤمرون وهم الذين قال فيهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ثم قال في الذين هم عند ربهم يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون أي لا يملون كل ذلك يدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة إلا كل مخلوق له قوة التفكر وليس إلا النفوس الناطقة الإنسانية والجانية خاصة من حيث أعيان أنفسهم لا من حيث هياكلهم فإن هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له والسجود فأعضاء البدن كلها بتسبيحه ناطقة ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من الجلود والأيدي والأرجل والألسنة والسمع والبصر وجميع القوي فالحكم لله العلي الكبير وهذا كله من حكم حبه إيانا لنفسه فمن وفي شكره ومن لم يوف عاقبه فنفسه أحب وتعظيمه والثناء عليه أحب وأما حبه إيانا لنا فإنه عرفنا بمصالحنا دنيا وآخرة ونصب لنا الأدلة على معرفته حتى نعلمه ولا نجهله ثم إنه رزقنا وأنعم علينا مع تفريطنا بعد علمنا به وإقامة الدليل عندنا على أن كل نعمة نتقلب فيها إنما ذلك من خلقه وراجعة إليه وإنه ما أوجدها إلا من أجلنا لننعم بها ونقيم بذلك وتركنا نرأس ونربع ثم إنه بعد هذا الإحسان التام لم نشكره والعقل يقضي بشكر المنعم وقد علمنا أنه لا محسن إلا الله فمن إحسانه أن بعث إلينا رسولا من عنده معلما ومؤدبا فعلمنا بمالنا في نفسه فشرع لنا الطريق الموصل إلى سعادتنا وأبانه وحذرنا من الأمور المردية واجتناب سفساف الأخلاق ومذامها ثم أقام الدلالة على صدقه عندنا فجاء بالبينات وقذف في قلوبنا نور الايمان وحببه إلينا وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان فآمنا وصدقنا ثم من علينا بالتوفيق فاستعملنا في محابه ومراضيه فعلمنا أنه لولا ما أحبنا ما كان شئ من هذا كله ثم إن رحمته سبقت غضبه وإن شقي من شقي فلا بد من شمول الرحمة والعناية والمحبة الأصلية التي تؤثر في العواقب ولما سبقت المحبة وحقت الكلمة وعمت الرحمة وكانت الدار الدنيا دار امتزاج وحجاب بما قدره العزيز العليم خلق الآخرة ونقلنا إليها وهي دار لا تقبل الدعاوي الكاذبة فأقر الجميع بربوبيته هناك كما أقروا بربوبيته في قبضة الذر من ظهر آدم فكنا في الدار الدنيا وسطا بين طرفين طرفي توحيد وإقرار وفي الوسط وقع الشرك مع ثبوت الوجود فضعف الوسط ولذلك قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فنسبوا العظمة والكبرياء إلى الله تعالى في شركهم ثم أخبر تعالى أنه طبع على قلب كل من ظهر في ظاهر لقومه بصفة الكبرياء والجبروت وما جعل ذلك في قلوبهم بسبب طابع العناية فهم عند نفوسهم بما يجدونه من العلم الضروري أذلاء صاغرين لذلك الطابع فما دخل الكبرياء على الله قلب مخلوق أصلا وإن ظهرت منه صفات الكبرياء فثوب ظاهر لا بطانة له منه وهذا كله من رحمته ومحبته في خلقه ليكون المال إلى
(٣٢٨)