وعلى هذا الصعيد الطيب بزر علماء أفذاذ، انتهت إليهم المرجعية والقيادة الاسلامية العامة، تحولت بجهدهم علوم الشريعة، حتى بلغت ذروة الكمال والابداع، والحركة المفتوحة الدائية، التي ظلت تواكب الحياة وتسايرها، وتعالج مشاكلها، وتستجيب إلى متطلباتها، كما ظلت طريقها الأمثل إلى الهداية والايمان.
وكان هذا الاجتهاد المتجدد في الشريعة من شأنه أن يصلح حياة المسلمين بالمعايير الشرعية، ويقم شؤونها على معرفة ما أحل الله وما حرم، وعلى ما يجب الاجتناب منه، وما يلزم الأخذ به، وهو ينير معالم الطريق، ويرشد المسلمين إلى صوابهم، ويجنبهم متاهات الضلالة، لئلا يسلكوها، كما سلكها غيرهم من الأمم والشعوب، وحتى لا يفقدوا شخصيتهم وقدسيتهم، وحياتهم الحرة الكريمة التي خططها لهم الاسلام، ولئلا ينحرفوا عن مسيرتهم إلى السعادة الأبدية، وإلى الزلفى من الله.
ميزة الدراسة الحرة:
ولضمان هذه المسيرة الاسلامية، ذات القيادة الرائدة: عهد إلى الحوزة العلمية أن تقوم برسالة التفقه في الدين، والاجتهاد في الشريعة.
ومن هذا المنطلق تميزت أروقة هذه الحوزة بطلب العلم للعلم، والتفقه في الدين للدين، كما تميزت بالدراسة الحرة ذات العمق والأصالة، والتجرد عن الأغراض، حتى درج طلابها على أن يؤثروا الفقر على الغنى، والهجرة عن الأوطان، تفرغا للتحصيل وطلبا للعلم في سبيل إعلاء كلمة الاسلام.
وكانت واقعته هذه الدراسة الحرة أن امتاز أسلوبها بالجدل والنقاش، وتقضي الحقائق والوجوه المختلفة التي تحتملها المسائل العلمية المطروحة، ثم اختيار ما هو الأحرى بالدليل، والألجن بالحجة، والأصلح بالأخذ والاعتبار.
وهكذا يمضي الطالب في تحصيل العلم، تنمو مواهبه، وتتفتح آفاقه، لا يغفل عن قول أو احتمال، يستعرض الحقائق العلمية بجهد متواصل، يسير غورها،