وكثر فضله ونما علمه، وأشير إليه بين تلامذة النائيني، ولم يكن فيهم غير أفاضل المشتغلين وأجلاء المحصلين إلا عددا يسيرا، وكان الغالب فيهم والظاهر عليهم التأثر بأستاذهم الأجل المقدس من الجمع بين العلم والعمل، في تلك المدرسة المثلى نشأ المترجم له، وعلى ذلك العالم الفحل تخرج، وبين أولئك الأعلام نبغ وتفوق، وتفتحت مواهبه وقابلياته، وعرف بالتحقيق وعمق الفكر ودقة النظر، وحلاوة المنطق، وحسن البيان والتحرير، فأخذ يقرر تقريرات أستاذه لغيره من تلامذة الشيخ ومن دونهم في الفضل، وصار مدرسا مشهورا على عهد أستاذه، وعالما مبرزا له في الأوساط العلمية مكانه الرفيع واحترامه اللائق.
وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه ذلك العبد الصالح والحبر البحر، وفجع به الاسلام وخسر به العلم والدين دعامة من أكبر وأرسخ دعائمه، فبرز المترجم له واتجهت أنظار الطلاب والمحصلين المجدين إليه فاستقل بالتدريس وانصرف إليه بكله، وتهافت عليه المشتغلون تهافت الفراش على النور لميزاته التي أشرنا إليها سابقا، ولما كانوا يرونه من رعاية أستاذه له وعنايته به واعتماده عليه، وكان مجلس درسه من أكبر مجالس الدرس في النجف وأميزها كمية وكيفية، واشتغل بالتدريس ليلا ونهارا، وكان دائم المذاكرة والمحاورة أينما حل، فما استقر به المجلس في مكان ما إلا وسارع إلى تحرير مسألة ودخل مع العلماء في النقاش، وكان مواظبا على الحضور في مقبرة أستاذه النائيني في الليالي مع جمع آخر من أفاضل تلامذة الشيخ ويطرحون فيما بينهم بعض الفروع المهمة ويستمرون على الخوض والكلام في أطراف الموضوع إلى أن يحين وقت غلق أبواب الصحن فيتفرقون.
قضى المترجم له بعد وفاة أستاذه عشر سنين على هذا المنوال من خدمة العلم والتضحية بالنفس في سبيله مواصلا العمل دون ملل أو كلل، ودون انقطاع واستراحة حتى ابتلي بالسكتة القلبية من كثرة الاجهاد وأخذت النوبات تعاوده وقضت عليه في المرة الثالثة عصر يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الأول سنة 1365 ه، فكانت خسارة العلم به جسيمة والمصاب كبيرا، وغسله تلميذه ووصيه