وقد حققنا ذلك في مبحث " لا ضرر " وقلنا في ذلك المورد: إنه ليس كل ما صدر عنهم عليهم السلام جوابا عن سؤال خاص يكون على نحو القضية الخارجية، بل ربما يستفاد منه كبرى كلية، وقد حررنا الضابط بينهما على وجه لا مزيد عليه.
والغرض في المقام مجرد بيان أن الجواب يمكن أن يكون على نحو القضية الخارجية، كما أنه يمكن أن يكون على نحو الكبرى الكلية، فإن كان على نحو الكبرى الكلية فلا إشكال في استفادة الاطلاق أو العموم منها لو كان في مقام البيان، وأما إذا كان على نحو القضية الخارجية فلا يمكن استفادة الاطلاق منها إلا بضميمة ترك الاستفصال في الموارد التي تكون محلا للاستفصال مع القطع بعدم خصوصية المورد، فلو لم يكن المحل محلا للاستفصال، أو لم يحصل القطع بعدم خصوصية المورد، لا يمكن استفادة الاطلاق من الجواب كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا فنقول: إن غالب ما صدر عنهم عليهم السلام في هذا الباب إنما هو جواب عما سألوا عنه الأصحاب مما كانوا مبتلين به من معاملتهم مع أهل السوق الذي يكون فيهم من يستحل ذبائح أهل الذمة وطهارة الميتة بالدبغ، ومن المعلوم أن في مثل هذا لا يمكن أن يتمسك بإطلاق الجواب، لأنه جواب عما وقع في الخارج.
ولا يمكن القول بالاطلاق من باب ترك الاستفصال، لما عرفت من استفادة الاطلاق من ترك الاستفصال إنما يكون في المحل القابل للاستفصال، ومن المعلوم أن الصحابة في ذلك الزمان لم يكونوا مبتلين بما نحن مبتلون به الآن، من حمل مال التجارة من الجلود وغيرها من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام، بحيث نعلم أن ما وقع في يد المسلم إنما هو مسبوق بيد الكافر وحمل من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام، وهذا المعنى لم يكن معهودا في ذلك الزمان، فليس المقام مقام ترك