فالأقوى أن البينة في عرض العلم مقدمة في الرتبة على الظن المطلق، لأن الظن متأخر عن العلم، والمفروض أن البينة في عرض العلم لعدم تقييد في دليل حجيتها، فيكون الظن متأخرا عن البينة أيضا، ولا يعقل أن يكون ما في طول الشئ في عرضه.
وبعبارة أخرى: أن من قامت عنده البينة يكون عارفا بالقبلة بالتعبد، فيخرج عن موضوع " من لا يعلم " الذي أخذ موضوعا لحجية الظن.
نعم في خصوص المقام إشكال وهو أن حجية البينة في الموضوعات كحجية الخبر الواحد في الأحكام مقصورة بما إذا كان الأخبار عن حس وشهود لا الحدس والاجتهاد، وهذا المعنى في باب الأخبار عن القبلة منسد، لأن مستند الشهود إما الاجتهاد وهو حدسي، وإما العلامات المنصوبة المأخوذة من الهيئة وهي أيضا حدسية، فلا يجوز التعويل على البينة في أمثال المقام (1)، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ضعف الاشكال، فإن العلامات المستخرجة من الهيئة ليست حدسية، لأن الضابط في الأمور الحدسية هو أن يكون ذلك بإعمال نظر واجتهاد، واستعمال المقدمات النظرية والأقيسة الاجتهادية لاستنتاج المطالب، كاستنتاج الفقيه الحكم الشرعي من الأدلة بحسب ما يفهمه منها، ومن المعلوم أن علم الهيئة ليس من هذا القبيل، بل هو كعلم الحساب مأخوذ من مبادئ حسية ومقدمات مشهورة، بداهة أن معرفة طول البلاد وعرضها من الأمور الحسية التي يعرفها كل من كان أهلا لها، ومجرد عدم معرفة كل أحد لها لا يخرجها عن الحسية، فهو من قبيل معرفة الصائغ مقدار الغش في الذهب ومعرفة المقوم مقدار