الأولى واردة للانكار على ذلك وهو منقول عنهم، والثانية من الله تعالى من غير إنكار فليتأمل المتأمل ليظهر عليه الحق (إنتهى) أقول قد مر بيان أن إثبات القدرة والمشيئة بدون التأثير لا محصل له، وأن القول بالكسب لا أثر له في دفع الجبر، وأما ما ذكره من أن هذا الانكار بواسطة إحالة الذنب على مشيئة الله تعالى الخ ففيه أن صريح الآية اعتقادهم أن مشيئة الله تعالى علة لشركهم وكون الشرك ذنبا أو غيره غير مفهوم من لفظ الشرك، وإنما فهم من خارج، والقول بعلية مشيئة الله تعالى وعلمه للشرك وجميع أفعال العباد مما شارك فيه
الأشاعرة مع المشركين، وقد نفاها الله تعالى، كما قرره المصنف فالعدول عن جعل مشيئة الله تعالى في الآية علة لنفس الشرك وجعله علة لوصف كونه ذنبا صرف للآية عن طاهرها والبناء على الكسب بالمعنى الذي ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني وفخر الدين الرازي (1) حيث قالا: إن حقيقة الكسب صفة تحصل بقدرة العبد بفعله الحاصل بقدرة الله تعالى، فإن
الصلاة والقتل مثلا كلتاهما حركة وتتمايزان بكون إحديهما طاعة والأخرى معصية، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فأصل الحركة لقدرة الله تعالى وخصوصية الوصف بقدرة العبد، وأورد عليه أن امتياز المطلق عن مقيداته إنما هو في العقل دون الخارج، وهو لا يصحح كون كل من هذين التمايزين مقدورا بقدرة أخرى، وأما ما ذكره من أنه لولا التأويل الذي ذكره في الآية الأولى، لما فرق بينها وبين الآية الثانية فدفعه هين والفرق بين، لأن المراد بالمشيئة في الآية المشيئة المطلقة يعني أن الله تعالى لو شاء عدم الشرك منا لما أشركنا، لكنه لم يشأ ذلك، وحاصل الانكار أنكم كاذبون في أن الله تعالى لم يشأ
____________________
(1) قد سبق ترجمتهما في (ج 1 ص 247 و110)