لا يدفع النفرة عن صاحبه وفتور الاعتقاد فيه، فيسقط محله ورتبته عند العوام، فلا ينقادون إلى إطاعته، فتنتفي فائدة
البعثة في كلام المصنف، وأما تاسعا فلأن في قوله: وفي الآية إشارة إلى أن الانسان لما خلق من الأرض الخ، كلام سنشير إليه إن شاء الله تعالى عن قريب، وأما عاشرا فلأن قوله: ولما لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة فيه، فيه مؤاخذتان ظاهرتان، إحديهما أن الاعتبار بمخالفة ملكة العصمة وعدمها غير مفهوم من صريح
القرآن ولا من إشارته، بل هو صريح
البطلان، وكيف يقول عاقل إن صدور الذنب لا ينافي ملكة العصمة وثانيتهما أن العصمة بمعنى الملكة من اصطلاحات الحكماء، فعدم مخالفتها بذلك المعنى لا تصير
حجة على العدلية كما سنوضحه عن قريب إن شاء الله تعالى، وأما الحادي عشر فلأن قوله: وأما العصمة عند الحكماء الخ، لغو من الكلام كما أشرنا إليه، أو رجوع عما أنكره سابقا من الاستناد بكلام الفلاسفة ولحس فضلاتهم، وبالجملة تشبثه بكلام الحكماء هيهنا دون كلام إحدى الطائفتين من المسلمين تلبيس وتمويه لا يخفى على المتأمل، فإنه لما رأى أن صدور الصغائر عن الأنبياء مخالف للعصمة بمعنى عدم خلق الله فيهم ذنبا كما ذهب
الأشاعرة، وكذا بمعنى اللطف الذي يفعله الله فيهم بحيث لا يصدر عنهم ذنب ولا يبلغ إلى حد الالجاء كما ذهب إليه أهل العدل، خلط المبحث وعدل إلى التشبث بمذهب الفلاسفة، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كما ستطلع عليه، وأما الثاني عشر فلأن قوله: ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من
يجوز تعمدها من ترك الأول والأفضل، فيه خلط وخبط (1) لا يخفى، لأن خلاف الأفضل والأولى لا يسمى صغيرة حقيقة ولا يعد من الذنوب التي وقع النزاع فيها نفيها وإثباتها، وأما ما هو صغائر حقيقة سيما إذا وقع عمدا فهو في معرض الاعتراض، بل الإعراض عنهم أيضا، قوله فإنها لا تمنع العصمة التي
____________________
(1) الخلط: المزج. والخبط: التصرف في الأمور عن غير بصيرة.