وقال في رهبان دير حنة:
يا دير حنة من ذات الأكيراح * من يصح عنك فاني لست بالصاحي يعتاده كل محفو مفارقه * من الدهان عليه سحق أمساح لا يدلفون إلى ماء بباطية * إلا اغترافا من الغدران بالراح لم يبق فيهم لرائيهم إذا حصلوا * خلاف ما خوفوه غير أشباح الاعتذار قال يعتذر إلى الرشيد وهو في حبسه من أبيات:
فلا يتعذرن عليك عفو * وسعت به جميع العالمينا فاني لم أخنك بظهر غيب * ولا حدثت نفسي أن أخونا وقال يعتذر إلى الأمين حين حبسه ثانيا:
تذكر أمين الله والعهد يذكر * مقامي وأنشاديك والناس حضر ونثري عليك الدر يا در هاشم * فيا من رأى درا على الدر ينثر أبوك الذي لم يملك الأرض مثله * وعمك موسى صنوه المتخير وجداك مهدى الهدى وشقيقه * أبو أمك الأدنى أبو أفضل جعفر وما مثل منصوريك منصور هاشم * ومنصور قحطان إذا عد مفخر فمن ذا الذي بسهميك في الورى * وعبد مناف والداك وحمير مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة * كأني قد أذنبت ما ليس يغفر فان كنت لم أذنب ففيم تعنتي * وإن كنت ذا ذنب فعفوك أكبر وكتب إلى الأمين أيضا:
أرقت وطار عن عيني النعاس * ونام السامرون ولم يواسوا أمين الله قد ملكت ملكا * عليك من التقى فيه لباس ووجهك يستهل ندى فيحيا * به في كل ناحية أناس كان الخلق في تمثال روح * له جسد وأنت عليه رأس فديتك إن غم السجن باس * وقد أرسلت ليس عليك باس وكتب إلى الأمين أيضا من أبيات:
من ذا يكون أبا نوا * سك إذ حبست أبا نواس إن أنت لم ترفع له * رأسا فديت فنصف رأس وكتب إلى الفضل بن الربيع من الحبس يذكر أنه زهد وتنسك مبالغة في الظرافة:
أنت يا ابن الربيع ألزمتني النسك * وعودتنيه والخير عاده فارعوى باطلي واقصر حبلي * وتبدلت عفة وزهاده لو تراني ذكرت للحسن البصري * في حسن سمته أو قتادة المسابيح في ذراعي والمصحف * في لبتي مكان القلاده وإذا شئت أن ترى طرفة تعجب * منها مليحة مستفاده فادع بي لا عدمت تقويم مثلي * وتفطن لموضع السجاده تر أثرا من الصلاة بوجهي * توقن النفس إنها من عباده لو رآها بعض المرائين يوما * لاشتراها يعدها للشهادة ولقد طال ما شقيت ولكن * أدركتني على يديك السعادة وكتب إلى عبد الله بن نعيم وكان أخوه كاتب الفضل بن الربيع:
حي الديار وأهلها أهلا * وأربع وقل لمفند مهلا إني ندبت لحاجتي رجلا * صافي السماحة واحتوى النبلا وسمت به الهمم العظام إلى الر * تب الجسام فباين المثلا تلقى الندى في غيره عرضا * وتراه فيه طبيعة أصلا كلم أخاك يكلم الفضلا * وليبلني حسنا كما أبلى وإذا وصلت بعاقل أملا * كانت نتيجة قولك الفعلا وكتب إلى جماعة كثيرين يتوسل بهم ويذكر انه قد تاب مما حبسه لأجله الأمين يطول الكلام باستيفائهم منهم الحسين بن عيسى بن المنصور:
رفع الصوت ونادى * يا أبا عيسى الجوادا كن عمادا يا ابن من كان * غياثا وعمادا وتدارك جسدا قد * مات أو قد قيل كادا قل له إن قال هل تاب * نعم تاب وزادا واضمن التوبة عمن * كلما أطراك عادا وكتب إلى عبيد الخادم مولى أم جعفر:
جعلت عبيدا دون ما أنا خائف * وصيرته بيني وبين يد الدهر أشار إليه الناس من كل جانب * وقالوا أبو عمرو لها وأبو عمرو فتى لا يحب الكسب إلا أحله * ولا الكنز من ثناء ومن شكر وكتب إلى الحسين الخادم مولى هارون:
يا خليلي ساعة لا تريما * وعلى ذي صبابة فأقيما ما مررنا بدار زينب الا * فضح الدمع سرنا المكتوما تتجافى حوادث الدهر عمن * كان في جانب الحسين مقيما قال لي الناس إذ هززتك للحاجة * ابشر فقد هززت كريما فاسألنه إذا سالت عظيما * انما يسال العظيم العظيما وكتب إلى الحسين هذا أيضا من ابيات:
أبلغ هديت إلى الامام رسالة * عني باني بعدها استعتب وشهادتي اني حليف عبادة * فابلوا على الأيام ذاك وجربوا الهجاء لأبي نواس هجاء موجع وذم مقذع فهو متقدم في الهجاء تقدمه في سائر أنواع الشعر وزاد في هجائه ما في طبع أبي نواس من الظرف واللطف وما في كلامه من النكات والهزل فجاء هجاؤه ممزوجا بالهزل فزاد ذلك في حسنه وحسن موقعه وأنت ترى انه لم يسلم من هجائه أحد فهجا الأمين وهو شاعره وهزأ به وهجا البرامكة وهم وزراء الرشيد والمتحكمون في دولته وهجا العباسة ابنة المهدي وهجا الخصيب وهجا الحسين الخادم حاجب الرشيد ومولاه سليمان بن المنصور وكل ذلك دليل جرأته وهجا أبا عبيدة وهو شيخه وهجا بني نوبخت مع احسانهم اليه وهجا أشجع السلمي والنظام وأبا عبيدة وأبان بن عبد الحميد اللاحقي إلى غير ذلك مما سيمر عليك وكان الكبراء يهابون هجاءه ويخشون منه. قال ابن منظور: صار أبو نواس في حداثته إلى مجلس الهيثم بن عدي فجلس والهيثم لا يعرفه فلم يستدنه ولم يقرب مجلسه فقام مغضبا وتبين الهيثم في وثبته الغضب فسال عنه فخبر باسمه فقال انا لله هذه والله بلية لم أحسبها على نفسي قوموا بنا اليه لنعتذر فصاروا اليه فدق الهيثم الباب عليه وتسمى له فقال ادخل فقال الهيثم له المعذرة إلى الله ثم إليك ولا والله ما عرفتك وما الذنب الا إليك حين لم تعرفنا نفسك فنقضي حقك فاظهر له قبول العذر فقال الهيثم انا أستعيذك من قول يبقى منك في قال ما قد مضى فلا حيلة فيه ولكن لك