أيضا لا معنى له، لأن الاجماع من الأدلة القطعية، وهو لا يقبل التخصيص، والعام ظني، فلو فرض كون ذلك من الأفراد المندرجة قطعا تحت ما أجمع عليه لكانت هي في حد ذاتها مجمعا عليها أيضا، وليس كذلك كما لا يخفى.
مع أن القياس الذي يتطرق هنا إنما هو مع الفارق، ولا يقول به القائل بحجيته مطلقا أيضا، إذ حضار مجلس الخطاب كانوا واجدين لما لم يجده المعدومون من حضور الإمام والتمكن من الإذن، ونحو ذلك.
فإن قلت: الأمر بذلك كاشف عن الحسن النفس الآمري، وهو مستصحب، كما قيل في الأحكام الثابتة في الشرائع السالفة.
قلت: ما يجب اتباعه بدون أمر الشارع هو حكم العقل المقطوع به عنده، وأما ما لم يقطع به فلا يجب اتباعه، إلا إذا علم من الشرع، والأمر دائر حينئذ مدار المعلومية من الشرع، وكثيرا ما نرى الشارع يأمر أحدا من المكلفين بشئ وينهى ذلك الشئ بعينه عن الآخر، وكذلك الحال بالنسبة إلى زمان دون زمان ومكان دون مكان، فكيف يبقى الوثوق بمجرد حصول العلم بحسن ذلك الفعل - الذي لا يدرك حسنه العقل مستقلا قاطعا به في نفسه - بسبب قول الشارع وطلبه إياه من شخص معين أو أشخاص معينة وفي زمان معين لنتكل عليه، ونقول بأنه حسن لشخص آخر وفي زمان آخر، سيما وبعنوان الوجوب والمؤاخذة على تركها، مع أن الأصل براءة الذمة، وعدم المؤاخذة؟ فتدبر (1).
والكلام في الشرائع السالفة بعينه هو الكلام في هذا المقام، إلا ما استفيد من حكاية الشارع حسنه لنا، وظهر من كلامه حسن اتباعه.
فإن قلت: يدل على ذلك قولهم (عليهم السلام): " حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة " (2) ونحوها (3).