الأولى: ما تقدم من الاشكال على المذهب المشهور في الانشاء القائل بان الانشاء عبارة عن الاستعمال بقصد تحقق معناه في الوعاء المناسب له، من انه يلزم أن لا يكون لدينا حكم انشائي إذ الانشاء متصرم الوجود، كما لا يمكن تحقق الحكم الانشائي خارجا قبل الحكم الفعلي، فإنه بعينه يرد على مذهب المحقق النائيني، إذ لا يرى وجودا سوى الجعل وهو الانشاء والمجعول وهو الحكم الفعلي، فأين هو الحكم الانشائي؟ وكيف ينفك خارجا عن الحكم الفعلي؟.
وقد عرفت انحصار التخلص عن هذا الاشكال بالالتزام بمذهب صاحب الكفاية في الانشاء. فراجع.
الثانية: في أصل مطلبه من انفكاك الجعل عن المجعول وانه صحيح أولا.
والحق: ان ايراد المحقق الأصفهاني غير وارد، وذلك لان الجعل في نظر المحقق النائيني هو انشاء الحكم والمجعول هو نفس الحكم الذي حقيقته حقيقة اعتبارية تدور مدار اعتبار المعتبر وجوادا وعدما.
وإذا فرض ان الحكم امر اعتباري - إذ لو كان عبارة عن الإرادة والكراهة لم يكن لدينا جعل ومجعول -، فليست نسبة الانشاء إليه نسبة الايجاد والوجود والتصور والمتصور، إذ تحقق الحكم بالاعتبار وهو فعل العقلاء أنفسهم، وهل يتوهم انه متحد مع انشاء المولى؟، وقد نظره بالرمي الذي يكون سببا لإصابة الهدف فان إصابة الهدف تنفك عن الرمي، وبالوصية التمليكية فان الملكية بعد الموت والوصية قبله.
نعم، الاعتبار والمعتبر كالتصور والمتصور والايجاد والوجود لا ينفكان، ولكنه (قدس سره) لم يرد من الجعل الاعتبار، بل أراد به الانشاء وبالجملة: لا وجه للايراد عليه بان الجعل والمجعول متحدان حقيقة بعد أن كان المراد من الجعل هو الانشاء ومن المجعول هو الحكم الاعتباري، وقد عرفت فيما مر بيان امكان انفكاك الانشاء عن الحكم الاعتباري.