يؤمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة (صلوات الله عليهم) بتبليغه إليهم.
وأخرى: يكون حكما فعليا بلغ إلى الناس وبين لهم، ولكنه خفي علينا ولم يصل الينا لبعض الأسباب من ظلم الظالمين وغيره.
ولا يخفى ان محل الكلام في باب البراءة هو النحو الثاني، فالبحث يقع في أنه إذا احتمل صدور الحكم إلى الناس ولكنه خفي علينا بحيث لو اطلعنا عليه لوجب علينا امتثاله، فهل تجري البراءة أو الاحتياط؟.
أما النحو الأول: فهو ليس محل الكلام بين الأصوليين والأخباريين، بل احتماله لا يوجب الاحتياط قطعا ولا يعتنى به أصلا، إذ هو مما سكت الله تعالى عنه، وقد ورد الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بالأمر بالسكوت عنه (1).
إذا تبين ذلك، نقول: انه قد ادعي ان الحديث المزبور ناظر إلى النحو الأول من الاحكام، فلا دلالة له على البراءة فيما نحن فيه وهو النحو الثاني، بل يكون مساوقا للحديث الشريف المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أشرنا إليه.
وفي تقريبه وجهان:
أحدهما: ما أشار إليه صاحب الكفاية (قدس سره) من أن الجهل بالحكم بالنحو الثاني لم يكن سببه الله تعالى، إذ هو أمر بتبليغه وبلغ، وإنما نشأ عن إخفاء الظالمين للاحكام ومنعهم من انتشارها وتدليس المدلسين وغير ذلك من الأسباب الخارجية. بخلاف الجهل بالنحو الأول، فإنه ناشئ من عدم أمر الله تعالى بتبليغه وبيانه.
وعليه، فلا يصح نسبة الحجب إلى الله سبحانه بلحاظ الجهل بالنحو الثاني، ويصح نسبته إليه بلحاظ النحو الأول، فلا بد من حمل الحديث على إرادة