دالة على البراءة في قبال الأخباريين، لأنها تنافي اخبار الاحتياط، لان مفاد اخبار الاحتياط الاحتياج على المجهول وهو ما لم يأتهم، وهو ما تنفيه هذه الرواية.
ولكن مفادها هو نفى الاحتياج بما لم يأتهم لا على ما لم يأتهم فلا تنافي دعوى الأخباريين لأنهم يذهبون إلى الاحتجاج بأخبار الاحتياط، وهو احتجاج بما آتاهم لوصولها إلى المكلفين وان كان على ما لم يأتهم.
هذا تمام الكلام في النصوص، وقد ظهر انه لا دلالة لما يدل منها على أكثر من قاعدة قبح العقاب بلا بيان ما عدا حديث الرفع والحجب.
وأما الاجماع: فلم يعطه سيدنا الأستاذ دام ظله أهمية في البحث، فلم يزد على المقدار الذي ذكره صاحب الكفاية، وسر ذلك هو ان مثل هذا الاجماع لا يمكن الركون إلى أنه تعبدي كي يكون دليلا في قبال غيره، وذلك لما ذكر من الأدلة المتكثرة على البراءة من كتاب وسنة وعقل، فهو إجماع مدركي فليس بحجة. واما العقل: فالكلام فيه في جهات ثلاث:
الأولى: في تحقيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وأنها ثابتة أولا؟.
الثانية: في تحقيق قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وثبوتها.
الثالثة: في كيفية الجمع بين القاعدتين فيما نحن فيه.
أما الجهة الأولى: فتحقيق الكلام فيها يتضح بتقديم مقدمة، وهي ان الحكم العقلي بالقبح والحسن فيه مسلكان:
الأول: انه لا يتصور للعقل حكم شئ وإنما شأنه إدراك الأشياء على واقعها التي هي فيه سواء كانت شرعية أو عقلائية.
وعليه، فمرجع دعوى حكم العقل بشئ إلى ثبوت أحكام عقلائية بنى عليها العقلاء وتوافقت عليه آراؤهم حفظا للنوع من الفساد.
فحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان - مثلا - لا واقع له سوى اتفاق