نعم، يبقى سؤال: وهو انه ما الوجه في اطلاق الجعل على الانشاء؟.، وجوابه: ان الاعتبار العقلائي لا يتحقق بدون الانشاء، فالبناء النفسي على تمليك زيد داره لعمرو وانها ملك له بمائة دينار لا يوجب اعتبار البيع عند العقلاء ما لم ينشأ البيع، وعليه فالانشاء بمنزلة الموضوع والسبب للاعتبار العقلائي نظير الملاقاة للنجس في كونها سببا لحكم الشارع بالنجاسة، وايجاد الموضوع للحكم يصحح عرفا اطلاق ايجاد الحكم ونسبته لموجد الموضوع، ولذلك يقال:
" ان زيدا نجس يده "، كما يقال إنه: " ملك عمرا داره "، مع أن الحكم بالنجاسة شرعي وبالملكية عقلائي، فإطلاق الجعل على الانشاء اطلاق مسامحي يصححه كون الانشاء سببا للاعتبار، فالتفت وتدبر.
وهذا امر واضح. وانما الامر الذي لا بد من ايقاع البحث فيه: هو ان الاعتبار الذي لا ينفك عن المعتبر في موارد كون المنشأ هو الحكم على تقدير، هل هو فعلي بمعنى انه يتحقق حال الانشاء وان كان لا يترتب عليه الأثر الا عند حصول التقدير، بان يعتبر العقلاء الوجوب عند الزوال من الآن؟، أو انه استقبالي بمعنى ان الاعتبار لا يتحقق الا عند تحقق التقدير فقبل تحققه لا وجود الا للانشاء؟، ولا يخفى ان هذا أجنبي عن امكان انفكاك الحكم عن انشائه الذي عرفت تعين الالتزام به، إذ هو بحث عن تحقق الانفكاك وعدمه.
والظاهر الذي يجده الانسان من نفسه الذي به يميز ويدرك حكم العقلاء وعملهم، هو ان اعتبار الحكم لا يكون الا عند تحقق التقدير، فقبله لا حكم ولا اعتبار، فمن ملك زيدا داره على تقدير سفره، لا يعتبر العقلاء ملكية زيد للدار الا في حال سفر الملك. ولكن هذا المعنى تام بناء على الالتزام في باب الاعتباريات بالاعتبار العقلائي ليس إلا، اما بناء على الالتزام بوجود اعتبار شخصي للمنشئ يكون موضوعا للاعتبار العقلائي، فلا يتم الكلام المزبور، إذ الاعتبار الشخصي لا يكون الا في حال الانشاء، إذ قد لا تكون للمنشئ