والمراد من كلامه يحتمل وجهين:
الأول: ان المرجع في هذه المسألة هو العقل لا الشرع، لأنها ترتبط بحكم العقل باستحقاق العقاب وعدمه، فلا يكون الاجماع فيها حجة بلحاظ كشفه عن قول المعصوم (عليه السلام)، إذ البحث عن امر عقلي لا حكم شرعي.
وبهذا التفسير يكون كلام الشيخ أجنبيا عما نحن فيه بل يرتبط بالمسألة الكلامية.
الثاني: انه يحتمل استناد بعض المجمعين في فتواهم بالحرمة إلى حكم العقل بقبح التجري، ومع هذا الاحتمال لا يكون الاجماع تعبديا فلا ينفع في اثبات المدعى. وبهذا الوجه يرتبط كلام الشيخ بما نحن فيه.
وبالجملة: لا نرى وجها لإطالة البحث أكثر من ذلك بعد أن عرفت استحالة ثبوت الحرمة وتعلقها بما هو في طول الحرمة الواقعية من نية السوء أو الجري النفسي أو الخارجي فتدبر.
يبقى الكلام في تحرير المسألة بالنحو الكلامي: وهو الذي كان محط كلام الشيخ من دون ان يتعرض إلى تعلق الحكم الشرعي في مورد التجري، بل مصب كلامه (قدس سره) هو الجهة الكلامية في المسألة، وهي جهة استحقاق العقاب على التجري وعدمه، ولا يخفى ان محل البحث تنزلي، والا فقد عرفت (1) انه لا حكم للعقل باستحقاق العقاب في صورة المصادفة للواقع فضلا عن صورة عدم المصادفة، والذي ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) عدم استلزام التجري لاستحقاق العقاب. بل غاية ما يترتب على التجري هو ذم المتجري باعتبار ما ينطوي عليه من سوء سريرة وشقاوة نفس، وذلك وحده لا يكفي في ترتب العقاب وانما يترتب العقاب على الفعل القبيح، وهو مفقود في صورة التجري.