فلا إطلاق في الآية بحيث يستفاد منها قاعدة كلية في جميع الموارد، فتختص برفع الصوم عن المسافر والمريض، وان الله سبحانه يريد اليسر في هذا المورد بالخصوص. فتدبر.
الثالثة: قوله تعالى في سورة الحج: (يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) (1). وما يستدل به منها قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ووجه الاستدلال به واضح لا يحتاج إلى بيان.
والتحقيق فيها: انه يحتمل أن يكون المراد منها ما قيل من نفي الحكم المستلزم للحرج ورفعه عن المكلفين.
ويحتمل ان يراد منها ما ذكرناه في سابقتيها من أنها لبيان ان الغرض من الاحكام ليس جهة الحرج، وإنما الغايات المهمة الشريفة المترتبة عليها.
ولو سلمت انها في حد نفسها ظاهرة في الأول، فلا بد من رفع اليد عن ذلك، لأنها واردة في الجهاد، وهو من أظهر مصاديق الحرج، سواء أريد به جهاد الكفار أو جهاد النفس. وقد عرفت أن مثل هذا الحكم لا يرتفع بدليل نفي الحرج لو ثبتت قاعدته، كما لا يرتفع وجوب سجدتي السهو برفع النسيان.
وعليه، فلا يمكن ان يراد بالآية نفي الحكم الحرجي، وإلا للزم خروج موردها، وهو مستهجن، فتحمل على ما احتملناه من أنها لبيان تبرير جعل هذه الأحكام المشتملة على الكلفة بخصوصياتها أو بمجموعها، وانه ليس المقصود ايقاع المكلفين في الحرج والمشقة، بل المقصود ايصالهم إلى المصالح المجهولة لديهم.