أقول: من الواضح الذي لا يقبل الانكار ان للحكم وجودا بعد الانشاء، فيقال: بان وجوب الصلاة ثابت وحرمة شرب الخمر ثابتة، ولا يمكن ان يقصد من الحكم المتصف بالثبوت الفعلي هو الانشاء، إذ الانشاء ليس إلا استعمال اللفظ في المعنى بقصد خاص، وهو امر متصرم الوجود لا بقاء له، ولا يمكن أن يكون الحكم الثابت امرا انتزاعيا انتزع عن نفس الانشاء، لان الامر الانتزاعي يدور مدار منشأ انتزاعه، وقد عرفت أن الانشاء متصرم الوجود، فلا بد أن يكون امرا اعتباريا عقلائيا - لا شخصيا لعدم التزامه به - مسببا عن الانشاء، وإذا فرض ان الحكم امر اعتباري مسبب عن الانشاء فقد ينشأ الحكم ويقصد تحقق اعتباره فعلا فلا ينفك عن الانشاء، كما يمكن ان يقصد تحققه بالانشاء على تقدير وجود أمر غير حاصل، فينفك الحكم الفعلي عن الانشاء. إذن فالحكم الفعلي غير الانشاء ويمكن انفكاكه عنه.
ونظيره تشريع القوانين في المجالس النيابية، ولكن لا تنفذ وتكون فعلية المجرى إلا بعد مدة طويلة حتى مع علم الناس بتشريعها.
وبالجملة: انفكاك الانشاء عن فعلية الحكم امر واضح في العرفيات والشرعيات.
واما ما ذكره من البيان لتقريب ان الانشاء عين الفعلية.
فيمكن دفعه: بأنه يمكن أن يكون الانشاء بداعي جعل الداعي لكن لا فعلا، بل على تقدير حصول شرط خاص، وهذا يكفي في رفع اللغوية، كما يصحح وقوع الانشاء في مراحل الحكم وصيرورته مصداقا للحكم، بل قد يحتاج إليه المولى كما لو علم أنه يكون نائما عند حصول الشرط.
وملخص الجواب: ان الانشاء بهذا الداعي قابل التحقق، وهو لا يساوق فعلية الحكم وثبوته في مقام الاعتبار، كما يكون مصداقا للحكم عند حصول شرطه، وليس نظير الانشاء بداعي التهديد، فإذا تحقق الشرط تحققت الإرادة