سلب القدرة، ومن هنا كانت الاحكام مشتركة بين العالم والجاهل.
والحاصل: انه فرق بين ترك الشئ لعدم القدرة عليه، وبين تركه لجهله بحكمه، فالتعلم ليس من المقدمات العقلية التي لها دخل في القدرة، و ح لا يكون تركه من باب ترك المقدمات المفوتة، وليس ملاك وجوبه هو قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، بل ملاك وجوب التعلم هو ملاك وجوب الفحص في الشبهات الحكمية، وهو حكم العقل بلزوم أداء العبد وظيفته، حيث إن العقل يرى أن ذلك من وظائف العبد بعد تمامية وظائف المولى، فان العقل يستقل بان لكل من المولى والعبد وظيفة، فوظيفة المولى هي اظهار مراداته، وتبليغها بالطرق المتعارفة التي يمكن للعبد الوصول إليها ان لم يحدث هناك مانع، فوظيفة المولى هي تشريع الاحكام وارسال الرسل وانزال الكتب، وبعد ذلك تصل النوبة إلى وظيفة العبد، و انه على العبد الفحص عن مرادات المولى واحكامه، وحينئذ يستقل العقل باستحقاق العبد للعقاب عند ترك وظيفته، كما يستقل بقبح العقاب عند ترك المولى وظيفته.
والحاصل: انه بعد التفات العبد إلى أن هناك شرعا وشريعة، يلزمه تحصيل العلم بأحكام تلك الشريعة، والا كان مخلا بوظيفته، حيث إن وظيفة العبد هو الرواح إلى باب المولى لامتثال أوامره، ولولا استقلال العقل بذلك لا نسد طريق وجوب النظر إلى معجزة من يدعى النبوة، وللزم افحام الأنبياء، إذ لو لم يجب على العبد النظر إلى معجزة مدعى النبوة لما كان للنبي ان يحتج على العبد بعدم تصديقه له، إذ للعبد ان يقول: لم اعلم انك نبي، وليس للنبي ان يقول: لم لم تنظر في معجزتي ليظهر لك صدق مقالتي؟ إذ للعبد ان يقول إنه لم يجب على النظر في معجزتك.
وبالجملة: العقل كما يستقل بوجوب النظر في معجزة مدعى النبوة، كذلك يستقل بوجوب تعلم أحكام الشريعة والفحص عن الأدلة والمقيدات والمخصصات، إذ المناط في الجميع واحد، وهو استقلال العقل بان ذلك من وظيفة العبد، ومن هنا لا يختص وجوب التعلم بالبالغ، كما لا يختص وجوب النظر إلى المعجزة به، بل يجب ذلك قبل البلوغ إذا كان مميزا مراهقا ليكون أول بلوغه مؤمنا ومصدقا بالنبوة،