الدليل الدال على وجوب الواجب يدل على وجوب تحصيل مقدماته من قبل بالملازمة ودليل الاقتضاء، وذلك كما في الغسل قبل الفجر، حيث إن الامر بالصوم متطهرا من الحدث الأكبر من أول الفجر يلازم دائما وقوع الغسل قبل الفجر، و ح نفس الامر بالصوم يقتضى ايجاب الغسل قبله بالملازمة المذكورة، هذا.
ولكن المثال خارج عما نحن فيه لان الغسل من القيود الشرعية، وقد عرفت في أول البحث ان الكلام في المقدمات المفوتة، انما هو في المقدمات العقلية و المعدات التي لها دخل في القدرة على الواجب، ولك ان تجعل مثال الحج مما نحن فيه، حيث إن الحج بالنسبة إلى البعيد دائما يتوقف على السير من قبل، فنفس الامر بالحج يقتضى الامر بالسير من قبل أيام الحج للملازمة المذكورة.
وعلى كل حال، قد عرفت اقسام اعتبار القدرة في الواجب، من كونها عقلية، أو شرعية على أقسامها الثلاثة، وعرفت أيضا مورد المقدمات المفوتة للقدرة، واندراجها تحت قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وحينئذ نقول: ان كل مورد حكم العقل بتحصيل القدرة أو حفظها قبل مجيئ زمان الواجب، فلابد ان نستكشف من ذلك خطابا شرعيا على طبق ما حكم به العقل بقاعدة الملازمة، وعليه يجب تحصيل القدرة أو حفظها شرعا، ويكون السير للحج وحفظ الماء وتحصيل الساتر مأمورا به شرعا، وكذا حرمة العمل الذي يوجب سلب القدرة على الواجب، وغير ذلك من المقدمات المفوتة.
ولكن ينبغي ان يعلم: ان الوجوب الشرعي في المقام ليس على حد سائر الواجبات الشرعية في كونه نفسيا يثاب ويعاقب على فعله وتركه، بل الوجوب في المقام مقدمي ويكون من سنخ وجوب المقدمة غايته: ان وجوب المقدمة في سائر المقامات يجئ من قبل وجوب ذيها ويترشح منه إليها، وهذا في المقام لا يمكن لعدم وجوب ذيها بعد، فلا يعقل ان يكون وجوبها ترشحيا، الا انه مع ذلك لم يكن وجوب المقدمات المفوتة نفسيا لمصلحة قائمة بنفسها بحيث يكون الثواب والعقاب على فعلها وتركها، بل وجوبها انما يكون لرعاية ذلك الواجب المستقبل، ولمكان التحفظ عليه وعدم فواته في وقته أوجب الشارع تحصيل المقدمات وحفظ القدرة، فيكون