اشتراط الوجوب بها، الا انه في المقام لا يمكن ذلك، لأن الشك في المقام راجع إلى مرحلة البقاء وسقوط التكليف بفعل الغير، لا في مرحلة الجعل والثبوت، ومقتضى الاستصحاب هو بقاء التكليف وعدم سقوطه بفعل الغير. وما قلناه: من أصالة البراءة عند دوران الامر بين الاطلاق والاشتراط، انما هو فيما إذا رجع الشك إلى ناحية الثبوت كمثال الحج، لا إلى ناحية البقاء كما في المقام. هذا تمام الكلام في أصالة التعبدية بمعنى اعتبار المباشرة وعدم السقوط بالاستنابة وفعل الغير.
واما الكلام في أصالة التعبدية بمعنى اعتبار الإرادة والاختيار وعدم السقوط بدون ذلك، فمجمل القول فيه: هو ان الأقوى فيه أيضا أصالة التعبدية، بمعنى عدم سقوط التكليف عند فعله بلا إرادة واختيار، وليس ذلك لأجل اخذ الاختيار في مواد الافعال، لوضوح فساده، بداهة عدم توقف الضرب والقتل وغير ذلك من المواد على وقوعها عن إرادة واختيار، وكذا ليس ذلك لأجل اخذ الاختيار في هيئات الافعال، لوضوح انه لا يتوقف صدق انتساب المادة إلى الفاعل على الإرادة والاختيار، وكيف يمكن ذلك؟ مع أن الافعال تعم أفعال السجايا وغيرها، كنجل، وعلم، وكرم، واحمر، واصفر، وذلك مما لا يمكن فيه الإرادة والاختيار، فهيئة الفعل الماضي والمضارع لا دلالة فيها على الاختيار. نعم تمتاز هيئة فعل الامر عن سائر الأفعال في اعتبار الاختيارية وذلك لامرين:
الأول: انه يعتبر في متعلق التكليف ان يكون صدوره عن الفاعل حسنا. و بعبارة أخرى: يعتبر عقلا في متعلق التكليف القدرة عليه ليتمكن المكلف من امتثال الامر على وجه يصدر الفعل عنه حسنا، ومن المعلوم: ان صدور الفعل حسنا من فاعله يتوقف على الإرادة والاختيار، إذ الافعال الغير الاختيارية لا تتصف بالحسن والقبح الفاعلي، وان اتصفت بالحسن والقبح الفعلي، فلابد من خروج مالا يكون بإرادة واختيار عن متعلق التكليف عقلا، ولا يمكن ان يعمه سعة دائرة الامر.
الثاني: هو ان نفس الامر يقتضى اعتبار الإرادة والاختيار مع قطع النظر عن الحكم العقلي، وذلك لان الامر الشرعي انما هو توجيه إرادة العبد نحو المطلوب و