صورة كون الجاهل مقصرا. وكيف يعقل الخطاب الترتبي مع أنه عبارة عن اخذ عصيان أحد التكليفين شرطا للتكليف الآخر؟ ومعلوم ان الجاهل بالتكليف وان كان عن تقصير لا يرى نفسه عاصيا ولا يلتفت إلى ذلك، إذ الالتفات إلى كونه عاصيا يتوقف على العلم بالتكليف، فيخرج عن كونه جاهلا، فلا يعقل ان يقال: أيها العاصي للتكليف المجهول يجب عليك كذا، فإنه بمجرد التفاته إلى كونه عاصيا ينقلب جهله بالتكليف إلى كونه عالما به.
وهذا نظير ما قلنا في محله: من أنه لا يعقل تكليف الناسي لجزء بالفاقد له، لأنه بمجرد الالتفات إلى كونه ناسيا يخرج عن كونه ناسيا. ومن هنا ظهر: ان تصحيح عبادة تارك الجهر أو الاخفات والقصر أو الاتمام بالخطاب الترتبي - كما عن الشيخ الكبير كاشف الغطاء - (1) مما لا يستقيم. إذ لا يعقل ان يقال: أيها العاصي بترك الجهر أخفت أو بالعكس، لان التفاته إلى كونه عاصيا يستدعى العلم بوجوب الجهر عليه ومع علمه بوجوب الجهر لا يصح الاخفات منه، إذ صحة الاخفات مقصورة بصورة الجهل بوجوب الجهر عليه.
ولا يتوهم: ان لا يتوقف صحة التكليف بالاخفات على الالتفات إلى كونه عاصيا للجهر، بل يكفي كونه عاصيا في الواقع، كما حكى عن الشيخ (قده) نظير هذا في الناسي (2) وقال بصحة تكليف الناسي وان لم يلتفت إلى كونه ناسيا، بل يرى نفسه ذاكرا إلى أنه يقصد الامر المتوجه إليه واقعا، غايته انه يتخيل انه ذاكر