المهم مقتضيا لايجاد متعلقه وباعثا نحوه، وفى تلك الرتبة يكون خطاب الأهم محفوظا حسب الفرض فيقتضى ايجاد متعلقه والبعث إليه، فتكون نتيجة الخطابين البعث نحو الضدين، ونتيجة ذلك هو ايجاب الجمع، فإنه حال اشتغال المكلف بفعل المهم المطالب به يطالب بفعل الأهم أيضا حسب اطلاقه، ومع هذا كيف لا يلزم ايجاب الجمع؟
قلت:
دعوى ان ايجاب الجمع لا يتوقف على ثبوت الاطلاق من الطرفين ويكفي فيه الاطلاق من طرف واحد، مساوقة لدعوى جواز اجتماع النقيضين، لما عرفت:
من أن ايجاب الجمع معناه انه في حال الاشتغال بكل من متعلقي الخطابين يطالب بالآخر ويؤمر به، وفى المقام في حال الاشتغال بالأهم لا يطالب بالمهم ولا يتعلق الامر به، فيكون نسبة المهم إلى الأهم في حال الاشتغال بالأهم كنسبة المباحات إليه، ومع هذا كيف يلزم ايجاب الجمع؟
والحاصل: ان ايجاب الجمع لا يكون الا إذا كان هناك مطلوبان، بحيث لو فرض محالا امكان الجمع بينهما، كان كل منهما مطلوبا ويقع محبوبا. وفى المقام لو فرض محالا انه جمع المكلف بين الأهم والمهم كان المهم لغوا، ولا يقع على صفة المطلوبية، لعدم تحقق ملاك وجوبه من ترك الأهم، فإذا لم يكن هناك الا مطلوب واحد في جميع الحالات، غايته انه في حال فعل الأهم يكون هو المطلوب، وفى حال تركه يكون المهم مطلوبا وان كان طلب الأهم لم يسقط، فكيف يقال انه يجب الجمع، وهل هذا الا تناقض؟
فان قلت:
لا يصح الخطاب المولوي الشرعي الا إذا أمكن ان يكون داعيا نحو الفعل، وباعثا إليه. وداعوية الخطاب بالنسبة إلى غالب نفوس البشر انما هي باعتبار ما يستتبعه من الثواب والعقاب، إذ قل ما يكون نفس الخطاب بما هو خطاب صادرا من المولى المنعم داعيا نحو الامتثال، الا بالنسبة إلى الأوحدي، بل ينحصر ذلك بالأولياء المقربين الذين لا يعبدون الله خوفا من النار أو طمعا في الجنة بل وجدوه