فتخيل ان الضرر والحرج المنفى هو الضرر والحرج النوعي لا الشخصي هذا.
ولكن الظاهر أن ذلك من جهة الاشتباه والخلط بين ما يكون حكمة التشريع، وبين ما يكون علة الحكم، فان الضرر والحرج المعلل بهما حكم الشفعة و طهارة الحديد انما يكونان حكمة للتشريع، حيث إن الحكيم تعالى لمكان فضله على العباد وتوسعته على الناس جعل طهارة الحديد مع أن فيه مقتضى النجاسة، وجعل الاخذ بالشفعة لحكمة استلزامه الضرر والحرج بالنسبة إلى نوع العباد، ولكن هذه الحكمة صارت سببا لجعل حكم كلي إلهي على جميع العباد، وليس من شان الحكمة الاطراد، ففي مثل هذا لا معنى لدعوى الضرر الشخصي، وليس لاحد الفتوى بنجاسة الحديد أو عدم الشفعة بالنسبة إلى من لم يكن في حقه ضرر وحرج، لان الفتوى بذلك فتوى على خلاف حكم الله تعالى، حيث جعل الشفعة وطهارة الحديد حكما كليا في حق جميع العباد، فكيف يمكن الفتوى على خلاف ذلك؟ الا ان يكون مبدعا في الدين والعياذ بالله. ولكن هذا غير الضرر المنفى بمثل قوله: لا ضرر و لا ضرار - الوارد في قضية سمرة بن جندب، والحرج المنفى بقوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، فان الضرر والحرج في مثل ذلك انما يكون علة لنفى الحكم الضرري والحرجي، ويكون أدلة نفي الضرر والحرج حاكمة على الأدلة الأولية المتكلفة لبيان احكام الموضوعات مط الشاملة لحالة الضرر والحرج، ففي مثل هذا لا يمكن ان يكون الضرر والحرج نوعيا، لان حكومتها على تلك الأدلة تكون بمنزلة تخصيصها وقصر دائرتها بغير حالة الضرر والحرج، فيكون الحكم الأولى ثابتا في غير صورة الضرر والحرج، ولا معنى لتوهم ان العبرة في ذلك بالضرر والحرج النوعي، ولا يمكن الفتوى بنفي الحكم كلية في حق جميع العباد بعد تشريعه لمكان استلزامه الضرر والحرج بالنسبة إلى بعض العباد، فان المفتى بذلك يكون مبدعا في الدين، وكيف يمكن رفع الحكم الثابت في الشريعة لمكان استلزامه الضرر والحرج في الجملة؟ فالعبرة في ذلك لا يكون الا بالضرر والحرج الشخصي.
إذا عرفت ذلك فنقول: انه بعد تشريع الاحكام من وجوب صلاة الظهر في الوقت وقضائها في خارجه بالنسبة إلى كل أحد، كيف يمكن القول بعدم وجوب