الآمر، إذ لا خصوصية في إرادة الآمر حتى يختص الكلام فيها، فان المقدمات التي يحتاج إليها الفعل الاختياري في مرحلة وقوعه من فاعله، هي بعينها يحتاج إليها الامر في مرحلة صدوره عن الآمر.
وبعد ذلك نقول: لا اشكال في توقف الفعل الاختياري على مقدمات: من التصور والتصديق والعزم والإرادة. وهذا مما لا كلام فيه، انما الكلام في أنه هل وراء الإرادة امر آخر؟ يكون هو المحرك للعضلات يسمى بالطلب، أو انه ليس وراء الإرادة امر آخر يسمى بالطلب؟ بل الإرادة بنفسها تستتبع حركة العضلات.
ثم لا اشكال أيضا في أن الإرادة من الكيفيات النفسانية التي تحصل في النفس قهرا كسائر المقدمات السابقة عليها: من التصور والعلم وغير ذلك وليست الإرادة من الأفعال الاختيارية للنفس بحيث تكون من منشأتها الاختيارية.
إذا عرفت ذلك، فنقول: لا ينبغي الاشكال في أن هناك وراء الإرادة امر آخر يكون هو المستتبع لحركة العضلات ويكون ذلك من أفعال النفس، وان شئت سمه بحملة النفس، أو حركة النفس، أو تصدى النفس، وغير ذلك من التعبيرات.
وبالجملة: الذي نجده من أنفسنا، ان هناك وراء الإرادة شيئا آخر يوجب وقوع الفعل الخارجي وصدوره عن فاعله. ومن قال باتحاد الطلب والإرادة لم يزد على استدلاله سوى دعوى الوجدان، وانه لم نجد من أنفسنا صفة قائمة بالنفس وراء الإرادة تسمى بالطلب. وقد عرفت: ان الوجدان على خلاف ذلك، بل البرهان يساعد على خلاف ذلك، لوضوح ان الانبعاث لا يكون الا بالبعث، والبعث انما هو من مقولة الفعل، وقد عرفت ان الإرادة ليست من الافعال النفسانية، بل هي من الكيفيات النفسانية، فلو لم يكن هناك فعل نفساني يقتضى الانبعاث يلزم ان يكون انبعاث بلا بعث.
وبالجملة: لا سبيل إلى دعوى اتحاد مفهوم الإرادة ومفهوم الطلب، لتكذيب اللغة والعرف ذلك، إذ ليس لفظ الإرادة والطلب من الألفاظ المترادفة، كالانسان والبشر. وان أريد من حديث الاتحاد التصادق الموردي وان تغايرا مفهوما فله وجه، إذ يمكن دعوى صدق الإرادة على ذلك الفعل النفساني، كما تصدق