مراتب الاحتياط لا جميع مراتبها ولا المقدار الواجب، والمراد من قوله (عليه السلام) ليس التعميم من حيث القلة والكثرة والتفويض إلى مشية الشخص، لأن هذا كله مناف لجعله بمنزلة الأخ، بل المراد أن أي مرتبة من الاحتياط شئتها فهي في محلها وليس مرتبة من الاحتياط هنا لا تستحسن بالنسبة إلى الدين، لأنه بمنزلة الأخ الذي هو ليس بمنزلة سائر الأمور لا يستحسن فيها بعض مراتب الاحتياط كالمال وما عدا الأخ من الرجال فهو بمنزلة قوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (1).
ومنها: الرواية التي نقلت عن خط الشهيد في حديث طويل عن عنوان البصري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول فيه: " سل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة، وإياك أن تعمل برأيك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك عتبة للناس (2).
والجواب عنها: أن مثل عنوان البصري الذي كان من العرفاء ولم يكن يرجع إلى الأئمة في أموره ولذا كان الإمام (عليه السلام) غير مائل بملاقاته ومجالسته وقد استأذن الدخول عليه فلم يجبه إلا بعد الاصرار، فلما دخل عليه سأل الموعظة منه (عليه السلام) فوعظه (عليه السلام) بما في الرواية فلا له من الاحتياط في جميع أموره، فلا دلالة لهذه الرواية على وجوب الاحتياط في المقام.
ومما ذكرنا في الجواب عن هذه الروايات يظهر الجواب عن سائر الروايات المذكورة في هذا الباب فلا نطيل بذكرها، ومن أراد الاطلاع عليها وعلى جوابها فعليه بمراجعة كلام الشيخ (قدس سره) (3) فإن كل ما ذكره في مقام الجواب عنها فهو حق وصواب مع أنها لو دلت على وجوب الاحتياط لكانت دالة عليه مطلقا. والحال أنهم لا يقولون به في الشبهات الوجوبية والموضوعية، فتأمل.