والمنذرين إلى حد من الكثرة بحيث يحصل العلم بقولهم، فإن النفر إنما يكون لأجل التفقه وتعلم معالم الدين ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين، لكي يحذروا إذا أنذروا بها، وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها كما لا يخفى، فالآية لا تدل على وجوب الحذر عند الإنذار مطلقا، لأنها ليست في مقام بيان غاية التحذر للإنذار حتى يتمسك بإطلاقها، بل في مقام بيان وجوب النفر، ولعل وجوب الحذر كان مشروطا بحصول العلم، إذ ليست فائدة وجوب الإنذار منحصرا بالتحذر تعبدا، بل يمكن أن تكون الفائدة بلوغ عدد المخبرين إلى حد يحصل العلم بقولهم وفيما إذا حصل العلم يجب الحذر لا مطلقا.
ثم إنه لو فرض دلالة الآية على وجوب الحذر عند الإنذار مطلقا، الإشكال بأنه لا دلالة لها على وجوب العمل بخبر الواحد بما هو خبر واحد غير وارد عليها، لعدم القول بالفصل بينهما، فحال الرواة في الصدر الأول كحال نقلة الفتاوى في هذه الأزمنة، فكما يصح منهم التخويف والتحذير فكذلك من الرواة وإذا كان انذارهم حجة وواجب القبول فكذلك إخبارهم مطلقا، لعدم القول بالفصل بين الانذار والتخويف وغيرهما من الإخبار.
لكن الحق والإنصاف أن هذه الآية ليست في مقام حجية خبر الواحد وقول العادل بالنسبة إلى غيره، بل في مقام حجية قول الفقيه بالنسبة إلى العامي، لأن الله تعالى عيرهم ووبخهم بمقتضى كلمة " لولا "، التحضيضية على ترك النفر للتفقه، والتوبيخ على تركه يستلزم الحث والترغيب على فعله، وكونه مطلوبا وتركه مذموما فيكون النفر للتفقه واجبا، والإنذار بما هو نتيجة تفقههم واجبا، والحذر منه واجبا، ومصاديق التفقه تختلف بحسب الأزمان ففي زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وزمان حضور الأئمة (عليهم السلام) إنما كان بالنفر إلى المدينة - مثلا - والتشرف بخدمتهم وأخذ الأحكام وتعلمها منهم، وفي زمان الغيبة إنما كان بالنفر إلى المراكز العلمية، ومجرد سماع ألفاظ الرواية ليس تفقها ولا نقلها إلى الغير إنذارا بنتيجة تفقهه ما لم يكن له