ومع عدمه فليس بواجب ولا مندوب (1).
وقد أورد عليه بأن المتحذر منه إن كان العقوبة فما ذكر (2) من أنه لا معنى لندب الحذر مسلم، لأنه مع قيام الحجة القطعية عليها كان الحذر واجبا لوجود مقتضيه، ومع عدم قيامها لا ندب للحذر، لعدم احتمالها من جهة الأدلة الدالة على قبح العقاب بلا بيان، وأما إن كان المتحذر منه غير العقوبة من المفاسد فممنوع، لرجحان الحذر من المفسدة المحتملة كما في تمام موارد الاحتياطات الراجحة الغير اللازمة التي رجحان الاحتياط وعدم وجوبه مسلم عند الكل.
الثاني: أن الإنذار واجب وغايته - وهو الحذر - واجبة، لأن غاية الواجب واجبة.
الثالث: أنه لما وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب كما هو قضية كلمة " لولا " التحضيضية وجب التحذر، وإلا لغى وجوب الإنذار، فإذا ثبت بمقتضى هذين الوجهين وجوب الحذر عند الإنذار فلابد أن يكون إنذار المنذر حجة على المنذر، ومن جهة عدم الفصل بين الإنذار وغيره من الأخبار لابد أن يكون خبر الواحد حجة مطلقا، لأن الطائفة لا يلزم أن تكون بعدد المتواتر، بل تشمل ما دونه حتى الواحد على ما حكي عن بعض أهل اللغة (3).
ولكن في كلا الوجهين نظر بل منع، وذلك لأنه ليست فائدة الإنذار منحصرة بالتحذر عند الإنذار تعبدا، لعدم إطلاق يقتضي ذلك، ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايته التحذر فليست الآية من تلك الجهة أي غايته التحذر في مقام البيان حتى يتمسك بإطلاقها لوجوب الحذر مطلقا، ولعل وجوبه كان مشروطا بحصول العلم.
والحاصل: أنه يمكن أن يكون الإنذار واجبا والحذر لم يكن واجبا إلا إذا حصل العلم من الإنذار، وفائدة وجوب الإنذار حينئذ هو بلوغ المخبرين