فإن قيل وجوب التبين علق على مجيء الفاسق بالخبر فينتفي التبين عند انتفائه، وهو أعم من أن لا يكون خبر أصلا أو يكون المخبر به عادلا.
نقول: هذا خروج عن مفهوم الشرط إلى مفهوم الوصف، إذ مفهوم الشرط هو عدم مجيء الفاسق بالخبر، وأما مجيء العادل به فهو من باب مفهوم الوصف.
ولكن يمكن أن يقال: إن القضية الشرطية إن لم تكن مشتملة على قيد مثل إن رزقت ولدا فاختنه فمفهومه إن لم ترزق ولدا فلا تختنه وانتفاء الحكم حينئذ من جهة انتفاء الموضوع، وكذا إن كانت مشتملة على قيد أو قيود وكان محط التعليق هو المجموع مثل أن يقال: إذا جاءك زيد يوم الجمعة راكبا فأكرمه مفهومه إن لم يجئك زيد يوم الجمعة راكبا فلا تكرمه، وعدم الإكرام - حينئذ - إنما هو من جهة انتفاء الموضوع، وهو مجموع هذه الأمور.
وأما إذا كان محط التعليق بعض هذه القيود كما في قوله: إن كان السائل في الليل امرأة فلا تعطها شيئا، وإن كان مبلغ الخبر زيدا فلا تقبله، وأمثالهما فانتفاء الحكم عند انتفاء القيد ليس من جهة انتفاء الموضوع، لأن الموضوع هو السائل والمبلغ في المثالين، وكون السائل فهي المرأة والمبلغ هو زيد من حالات وعلق الحكم عليهما وبانتفائهما ينتفي الحكم مع بقاء موضوعه، وهذا لا يكون من باب مفهوم اللقب حتى يقال بعدم حجيته، بل من باب مفهوم الشرط، ففي الآية الشريفة إن كان مجموع مجيء الفاسق بالنبأ محط التعليق فيكون انتفاء الحكم عند انتفائه من باب انتفاء الموضوع.
وإن كان محط التعليق مجيء الفاسق فقط بأن يجعل طبيعة النبأ نوعين أحدهما ما جاء به الفاسق، والآخر ما لم يجئ به الفاسق فكأنه قيل: النبأ إن كان الجائي به فاسقا فتبينوا، وإن لم يكن الجائي به فاسقا فلا تتبينوا، فلا يكون من باب القضيه السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، لأن الموضوع هو النبأ في كلا النوعين، وهذا لا إشكال فيه من حيث الكبرى. وإنما الإشكال في الصغرى وأن الآية الشريفة من هذا القبيل أو من ذاك، والمرجع عند الشك هو العرف، ولا يبعد