كان ظاهرا في حجية خبر العادل، إلا أن تعليل الذيل بعلة مشتركة بينهما يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر، لكونه أقوى من الدلالة المفهومية وإن لم نقل به، فلا أقل من إجماله والشك في دلالته على الحجية، وهو كاف في عدم الحجية.
ولكن يمكن الجواب عنه بأن المراد بالجهالة ليس مطلق الجهل بل ما لا ينبغي للعاقل أن يعمل به ويركن إليه، وخبر العادل ليس كذلك. ومعلوم أن عمل العقلاء في أمورهم ليس منحصرا بالعلم، بل عندهم أمارات وأصول يركنون إليها في أعمالهم، ولا يكون عملهم بها جهالة، ومن جملتها خبر العادل، فهو خارج عن عموم التعليل بالتخصص إما من جهة كون العمل به ليس من الجهالة في حد نفسه مع قطع النظر عن جعل الشارع، وإما بملاحظة جعل الشارع بمقتضى مفهوم صدر الآية.
فتحصل: أن الاستدلال بالآية على حجية خبر العادل إن كان من باب مفهوم الوصف ففيه: أن مفهوم الوصف ليس بحجة، إلا أن ينضم إليه القرائن الخارجية، وإن كان من باب مفهوم الشرط ففيه: أن هذه القضية الشرطية إما لا مفهوم له، وإما لا فائدة في مفهومه، وذلك لأن وجوب التبين علق على مجيء الفاسق بالخبر، ومفهومه أنه لو لم يجي الفاسق بالخبر فلا يجب التبين، وانتفاء التبين فيما لم يجئ الفاسق بالخبر عقلي، إذ لا شيء حينئذ حتى يجب التبين عنه، فتكون هذه الجملة الشرطية من قبيل: إن رزقت ولدا فاختنه، وإذا ركب الأمير فخذ ركابه، وأمثالهما من القضايا الشرطية المسوقة لإحراز الموضوع التي لا مفهوم لها أو لا فائدة فيه، لأن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي.
وبعبارة أخرى وجوب التبين علق على مجيء الفاسق بالخبر، وعند عدم مجيء الفاسق بالخبر فلا شيء حتى يجب التبين، فيكون عدم وجوب التبين قضية سالبة منتفية بانتفاء الموضوع.
وبعبارة ثالثة أن خبر الفاسق الذي كان الجائي به فاسقا يجب تبينه، وإذا انتفى خبر الفاسق الذي كان الجائي به فاسقا فلا شيء حتى يجب تبينه.