المذكورة ليس إلا من جهة كون المبدأ أريد به معنى حقيقيا يكون باقيا فعلا حقيقة لا أنه أريد به معنى لا يكون باقيا، ومع ذلك يصدق المشتق حقيقة كما هو لازم القول بكونه حقيقة في الأعم إذا كان التلبس بالمبدأ أكثريا كالكاتب والتاجر وأمثالهما فإنه أريد من المبدأ فيهما من له ملكة الكتابة والتجارة فصدق الكاتب والتاجر على من لم يكن مشتغلا فعلا بالكتابة والتجارة إنما هو من جهة أنه أريد من المبدأ معنى حقيقيا بكون باقيا في حال عدم الاستعمال الفعلي، ولذا يصدق الكاتب والتاجر لا أنه أريد بهما المشتغل الفعلي بالكتابة والتجارة ومع ذلك يصدق الكاتب والتاجر حتى يوجب التفصيل المزبور، أو أنه أريد من المبدأ معنى مجازيا يكون التلبس باقيا، ولذا يصدق المشتق في حال عدم بقاء التلبس بالمعنى الحقيقي كما في مثل مقتول ومضروب ومكسور وأمثالها، فإنه لا مانع من كون الهيئة مستعملة في معناها الحقيقي، ويكون المبدأ مستعملا في معنى مجازي كما توهمه بعض أو أن المشتق أطلق على غير المتلبس الفعلي بلحاظ حال التلبس كما في مثل السارق والزاني أو اطلق عليه مجازا فإنا لا نسد باب الاستعمال المجازي.
فتلخص: أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ فعلا بمقتضى التبادر وصحة السلب عما انقضى عنه المبدأ، وصدقه في موارد الانقضاء إما من جهة أنه أريد من المبدأ معنى حقيقيا أو مجازيا يكون باقيا فعلا، أو أنه أطلق فيه بلحاظ حال التلبس أو مجازا، فلابد من تنبيه الخصم على هذه الجهات فلعله اشتبه عليه الأمر من تلك الجهات، والحال أنها لا توجب تفاوتا فيما هو المهم في محل النزاع، لما عرفت من أن اختلاف مبادئ المشتقات بالفعلية والملكة والحرفة والصناعة والحقيقية والمجازية لا يوجب تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى.
وبعد الالتفات إلى هذه الجهات إن رجع عن إنكاره فهو، وإلا فلا يمكن إلزامه، لأنه ليس في المقام دليل يمكن إلزام الخصم به، إذ التبادر وصحة السلب ليسا إلا من الأمور الوجدانية الانصافية فيمكن أن يدعي شخص تبادر معنى من لفظ أو عدم صحة سلبه عنه، ويدعي آخر تبادر غيره منه وصحة سلبه عنه.