العقلي بما ذكر من أن استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي لابد أن تكون بلا رعاية مناسبة وعلاقة وتوسعة وتنزيل، وفي المعنى المجازي لابد أن تكون مع الرعاية ولا يمكن في استعمال واحد الجمع بينهما.
وقد يشكل على القول بعدم الجواز بأنه لو لم يكن استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائزا لما وقع، والحال أنه وقع، والوقوع أدل دليل على الإمكان، إذ الكنايات كلها من هذا القبيل، لأنها عبارة عن ذكر اللفظ للدلالة على الملزوم مع جواز إرادة اللازم أو بالعكس، والحال أن مقتضى الوجه العقلي عدم جواز إرادة معنيين من لفظ واحد مطلقا، حقيقيين كانا أو مجازيين أو مختلفين.
ولكن يدفع الإشكال في الكناية ما استعمل اللفظ إلا في المعنى الحقيقي وهو الملزوم، ولكن الغرض من استعمال اللفظ في معناه قد يكون إفهام نفس ذلك المعنى، وقد يكون إفهام لازمه، والكناية من هذا القبيل، فإن المقصود من استعمال اللفظ في الملزوم ليس إفهامه بنفسه، بل هو عبرة وقنطرة للانتقال إلى اللازم.
ولذا يكون المناط في الصدق والكذب مطابقة اللازم للخارج وعدم مطابقته له، فلو قيل بأن زيد طويل النجاد لو كان طويل القامة لكان صادقا، وإلا يكون كاذبا. ولا عبرة في الصدق والكذب بالمعنى الحقيقي، فلو كان طويل النجاد بمعناه الحقيقي ولم يكن طويل القامة لكان كاذبا، كما أنه لو كان طويل القامة ولم يكن طويل النجاد بمعناه الحقيقي لكان صادقا. فاللفظ في الكنايات والاستعارات والاغراقات إنما استعمل في المعنى الحقيقي ولكن للانتقال إلى اللازم كما في:
زيد أسد، أو: وجهه شمس أو قمر، أو: زيد حمار، وأمثالها، والمدار في الصدق والكذب إنما هو بمطابقه اللازم للخارج وعدمه، فلو كانت لزيد مرتبة معتد بها من الشجاعة أو لوجهه مرتبة معتد بها من التلألؤ واللمعان يصح أن يقال: إنه أسد أو:
وجهه شمس أو قمر، وكذا لو كانت له مرتبة معتد بها من البلادة لا أول مرتبتها.
ثم إنه لا يخفى أنه لا يجوز الاستدلال على جواز استعمال اللفظ في أكثر من