قول قائل فقد انسلخ عن الايمان قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وهذا الذي لم يحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر عنده فيما بين الناس الا حتى وافقه قيا س أو رأى أو قول قائل فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلم له تسليما بل وجد في نفسه حرجا مما قضى به عليه الصلاة والسلام فوربنا ما آمن، وإما أن يكون مخالفا للقرآن أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الضلال المتيقن وخلاف دين الاسلام، ولا نحتاج ان نطول في هذا مع مسلم قال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى. (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) واما ان لا يوجد في القرآن والسنة ما يوافقه نصا ولا ما يخالفه فهذا معدوم من العالم ولا سبيل إلى وجوده قال تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاتركوه) فصح ضرورة انه لا يخرج حكم أبدا عن أن يأمر به الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون فرضا ما استطعنا منه أو ينهى عنه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام فيكون حراما أو لا يكون فيه أمر ولا نهى فهو مباح فعله وتركه وبطل ان تنزل نازلة في الدين لا حكم لها في القرآن والسنة ولو وجدت، وقد أبى الله عز وجل ان توجد لكان من أراد ان يشرع فيها حكما داخلا في الدين ذم الله تعالى إذ يقول تعالى: (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) فان قالوا: نحكم فيها بحكم ما يشبهها من القرآن والسنة قلنا:
وأين أمركم الله تعالى بهذا؟ وهذا هو الشرع في الدين بما لم يأذن به الله، فان قالوا: قال الله تعالى: (فاعتبروا يا أولى الابصار) قلنا: نعم اعتبروا معناه اعجبوا قال الله تعالى * (وان لكم في الانعام لعبره نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم) الآية وما فهم أحد قط من اعتبروا احكموا للشئ بحكم نظيره، وهذا هو تحريف للكلم عن مواضعه والقول على الله تعالى بالباطل وبما لم يقله، فان قالوا: قد قال الله تعالى: (وشاورهم في الامر) قلنا: نعم فيما أبيح له فعله وتركه لا في شرع الدين بما لم يأذن فيه الله تعالى ولا في اسقاط فرض فرضه الله تعالى ولا في إباحة ما حرمه الله تعالى ولا في تحريم ما أحله الله تعالى ولا في ايجاب ما لم يوجبه الله تعالى وقد قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) فصح أن الاخذ برأيهم لا يجوز في الدين الا حيث صححه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وما كان هكذا فإنما صح طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم